التنظير الفقهي

Lancez-Vous. C'est gratuit
ou s'inscrire avec votre adresse e-mail
التنظير الفقهي par Mind Map: التنظير الفقهي

1. العلم الرابع: الجمع بين الأحكام المتناثرة في أبواب الفقه حول موضوع معين

1.1. فنّ الجمع هو إرجاع الأحكام المتشابهة في أحكامها إلى القواعد التي تجمعها. وبهذا المعنى لا يختلف فنّ القواعد، وهذا ما يُفهم من ارتباط الجمع بالفرق.

1.1.1. وهنام معنى آخر لجمع وهو جمع المسائل الفرعية الخاصة بموضوع واحد والمتناثرة في أبواب الفقه المختفة.

1.1.2. وهناك معنى ثالث وهو المسائل الفرعية المتعلقة بموضوع واحد داخل الباب نفسه.

1.1.3. والأول لا يختلف عن القواعد التي سبق الكلام عليها والمقصود هنا هو المعنى الثاني والثالث.

1.2. يضمن ابن السبكي هذا النوع في كتابه وعلل ذلك بأنه لم يضع كتابه لذلك لكونها ليست من القواعد، وكما يوافق الشيخ مصطفى الزرقا في فصل هذه البحوث عن القواعد، ويسمي هذا القسم بالنظريات الفقهية وضرب لها مثلا كالملكية والعقد والأهلية والنيابة.

1.3. ولا شكّ في وجود فرق بن هذه المباحث والمباحث الخاصة بالقواعد وكذا المباحث الخاصة بالفروق، حيث إن مباحث القواعد تجمع المتشابهات إذا اتحد حكمها، ومباحث الفروق تبحث المتشابهات إذا اختلف حكمها، بينما مباحث هذا النوع وهو الجمع تهتم بالجمع الموسوعي للأحكام الفقهية في المسائل الجزئية الخاصة بموضوع واح

1.4. وقد تناول السيوطي في كتابه أحكام يكثر دورها ويقبح بالفقيه جهلها، وابن نجيم في كتابه الجمع، جملة من المباحث الخاصة بهذا الفن مثل:

1.4.1. 1- أحكام الناسي. 2- أحكام العبد. 3- أحكام المتحيرة. 4- أحكام العقود. 5- أحكام الدين. 6- أحكام الذهب والفضة. 7- أحكام العدالة. 8- أحكام الموالاة. 9- أحكام السفر.

1.5. وأورد ابن نجيم أحكام الأعمى في نصف صفحة من أحكامها ما يلي:

1.5.1. - هو كالبصير إلا في مسائل: 1- لا جهاد عليه ولا جمعة ولا جماعة ولا حجّ وإن وجدا قائداّ. 2- لا دية في عينه وإنما الواجب الحكومة. 3- لا يصح عتقه عن كفارة. 4- لا يصلح للشهادة مطلقاً.

1.6. والمتتبع لكتب التراث يجد طائفة من العلماء أفردوا مباحث في التأليف تندرج تحت هذا الفنّ، منها:

1.6.1. 1- كتاب أحكام النساء لابن الجوزي. 2- قاعدة العقود لابن تيمية. 3- أحكام أهل الذمة لابن القيم.

1.7. وفائدة هذا الفنّ استخراج القواعد الخاصة بفنّ معين، ويمثل لذلك بما ذكره السيوطي من ضوابط وقواعد تتعلق بالعقود منها ما يلي:

1.7.1. - من الضوابط:

1.7.1.1. 1- اتحاد الموجب والقابل ممنوع إلا في صور. 2- ليس لنا عقد يختص بصيغة إلا النكاح والسلم

1.7.2. - ومن القواعد:

1.7.2.1. 1- كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل. 2- تعاطي العقود الفاسدة حرام.

1.7.3. ومن القواعد والضوابط التي استخرجها السيوطي في باب الإجارة ما يلي:

1.7.3.1. من الضوابط: 1- لا يقابل شيء مما يتعلق ببدن الحر بالعوض اختياراً إلا في ثلاث صور: منفعته ولبن المرأة وبضعها.

1.7.3.2. من القواعد: - لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب، إلا في صور: (الإرضاع وبذل الطعام للمضطر وتعليم القرآن والروق على القضاء حيث تعين والحرف حيث تعينت ومن دعي إلى تحمل شهادة تعينت عليه

2. العلم الخامس: الفروق

2.1. الفروق بين المسائل

2.1.1. فنّ الفروق يبحث في الفروق الذي أدى إلى اختلاف حكم المسائل المتشابهة، وذا الفنّ جلّ مناظرات السلف حتى قيل: الفقه فرق وجمع.

2.1.2. أول من ألّف في هذا الفنّ محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الجامع الكبير، ثم الحكيم الترمذي ألّف كتابه الفروق، ثم الكرابيسي، ثم أبو محمد الجويني ألّف كتاب الجمع والفرق، وألّف أبو العباس الطبري الأجناس والفروق.

2.1.3. ولأبي العباس الجرجاني كتاب المعاياة في العقل رتّب فيه المسائل على ترتيب أبواب الفقه ولم يجعل كل المسائل للفروق بل ذكر معها بعض المسائل لإظهار الحكم بالتفصيل، واستمرت حركة التأليف في هذا الفنّ إلى وقتنا الحاضر.

2.1.4. ومن الناحية التحليلية يمكن عرض بعض الكتب المؤلفة في الفروق كالآتي:

2.1.4.1. 1- كتاب الفروق للكرابيسي: يجمع المسأتين المتشابهتين أو أكثر ويظهر بينهما فرقاً وأحياناً يظهر له أكثر من فرق، وقسم الكتاب على أبواب الفقه، يذكر المسألة وحكمها ومن أين نقل المسألة، ويذكر صاحب الفرق إن كان ناقلاً له، وأصل الفروع التي ذكرها سمعها من القاضي أبي العلاء، ومن أمثلة ما ذكر من الفروق ما يلي:

2.1.4.1.1. - في باب الشفعة: ليس للوكيل بالبيع أن يأخذ ما باعه بالشفعة لنفسه، وللوكيل بالشراء أن يأخذ ما اشتراه لنفسه بالشفعة. والفرق أن الوكيل بالبيع التزم سلامة المبيع للمشتري، أما الوكيل بالشراء فقد التزم تملّك العين فلم يناقض ما أوجبه.

2.1.4.1.2. - في باب الإجارة: إذا استأجر داراً ولم يسمّ الذي أرادها له فهو جائز، وإذا استأجر أرضاً ولم يبين ما يزرع فيها لم يجز. والفرق: أن الأول يقيده العرف والثاني ليس للناس عرف فيه.

2.1.4.2. 2- كتاب إعلام الموقعين لابن القيم: ناقش ابن القيم شبه نفاة الحِكم والتعليل والقياس، حيث إنهم زعموا أن الشريعة فرقت بين متماثلين وجمعت بين مختلفين ومثلوا بما يلي:

2.1.4.2.1. - فرقت بين بول الصبية والصبي مع تساويهما. - قصر الرباعية في السفر وإبقاء الثلاثية والثنائية. - أوجب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة. - اكتفى بشاهدين في القتل دون الزنا. - وسوى بين الرجل والمرأة في العبادات ثم جعلها على النصف من الرجل في الدية والشهادة والميراث والعقيقة.

2.1.4.2.2. وقد ردّ ابن القيم على هذه الشبهة من حيث الجملة فبيّن أن الشريعة جاءت على وفق العقول السليمة حيث أنها لما فرّقت بين صور ظاهرها التشابه إنما فرقت بينها لافتراقها في بعض الصفات، والعبرة في الجمع والفرق إنما هو بالمعاني المراعاة في الحكم وجوداً وعدماً.

2.1.4.2.3. ومن حيث التفصل بيّن كل مسألة والفرق بينها وبين شبيهتها فمثلا ذكر أن الفرق بين قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة أن الصلاة تتكرر فلا تفوتها مصلحتها، أما الصوم فتفوت منعته في فطرها فمن رحمة الله أن شرع لها قضاء الصوم دون الصلاة

2.1.4.3. 3- لم يرد شيئ من هذه الفروق في كتاب القواعد والأشباه والنظائر لابن السبكي.

2.1.4.4. 4- كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي:

2.1.4.4.1. خصص الكتاب السادس من مؤلفه في الفروق، ومثالها ما يلي:

2.1.4.5. 5- كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم:

2.1.4.5.1. خصص القسم الثاني من الفنّ الثالث من كتابه للفروق، وكان مختصراُ في أربع صفحات فقط، ومن أمثلة ما ذكر ما يلي:

2.1.5. الفروق بين القواعد

2.1.5.1. لم يتّجه أحد قبل القرافي للبحث في الفروق بين القواعد في كتابه المسمى بالفروق فجمع القواعد التي ذكرها في الذخيرة وبين الفروق بينها، وتعقبه ابن الشاط في حاشيته إدرار الشروق على أنوار الفروق، حتى قال ابن فرحون: ( عليك بفروق القرافي ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط)، ولكن ابن الشاط أسرف في القول في القرافي فهو مجتهد يختلف منهجه في الاستنباط عن منهج ابن الشاط.

2.1.5.1.1. ومن أمثلة الفروق التي أوردها القرافي ما يلي:

2.1.5.2. ولم يعرف بعد القرافي من كتب في الفروق بين القواعد سوى:

2.1.5.2.1. 1- كتاب الليث العابث في صدمات المجالس لإسماعيل المحلي الشافعي حيث ذكر في صفحات يسيرة الفروق بين القواعد وسماه فروق الأصول، وأظهر الفرق بين بعض القواعد باختصار.

2.1.5.2.2. 2- ويشبهه كتاب الفروق للبلقيني حيث ذكر ستة فروق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب.

3. العلم السابع: تخريج الفروع على الأصول

3.1. يظهر هذا الفنّ أثر الأصول على الفروع، وهو يمثل الواقع العملي لعلم الأصول، وهي مفيدة لفهم القواعد الأصولية التي بحثت في علم الأصول من ناحية نظرية محضة وهذا الفن يظهر آثار هذه القواعد على الفروع.

3.1.1. وقد حاولت بعض كتب الأصول التي مشت على كريقة الفقهاء ذكر بعض الفروع الفقهية كشفاء الغليل للغزالي ورفع الحاجب لابن السبكي، والفرق بينها وبين هذا الفنّ أن كتب الأصول ذكرت الفروع لإثبات القواعد الأصولية أو للاستدلال على صحتها، بينما يذكرها هذا الفنّ لتبيين أثر القاعدة على الفروع لا للاستدلال عليها أوعلى صحتها.

3.1.2. وتعتبر هذه الكتب – الأصول على طريقة الفقهاء- أول من تعرض لأثر الأصول على الفروع. وممن تكلم في هذا الفن الدبوسي في كتابه تأسيس النظر وإن كان وضع للأصول إلا أنه لم يخل من القواعد التي يرجع إليها الخلاف.

3.1.3. ويعتبر كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني أول كتاب صنّف في أثر الأصول في الفروع كفنّ قائم بذاته، ثم مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول للتلمساني، كما خصص ابن السبكي القسمين الرابع والخامس من كتابه القواعد والأشباه والنظائر للمسائل التي تنبني عليها فروع فقهية، وأفرد الإسنوي لهذا العلم كتابين هما الكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على المسائل النحوية والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول. و

3.1.4. وكتاب الزنجاني رسم مخطط هذا الفنّ وبيّن الأصل الذي تردّ إليه كل مسألة خلافية، والكتاب غير مستوعب لفروع الفقه ولا أكثرها وقد صرّح في مقدمته بذلك، وبيّن الزنجاني في مقدمة الكتاب أن القدر على التفريع لا تكون إلا بمعرفة وجه الارتباط بين أحكام الفروع وأدلتها، فقصد من كتابه جمع الأصول بالفروع بطريق متميز فبردّها يتسنى التفريع ويمكن إيجاد الحلول لما يجد من حوادث لا تتناهة مع الزمن.

3.1.4.1. وقد اقتصر في كتابه على مذهبي الحنفية والشافعية، ولم يقتصر على المسائل الأصولية بل ذكر القواعد التي يرجع إليها في الفروع، ومن أمثلة ما ذكره في كتابه ما يلي:

3.1.4.1.1. 1- في الإجارة:

3.1.5. من الفروق بين طريقة الدبوسي والزنجاني ما يلي:

3.1.5.1. 1- الدبوسي كان أصل كلامه في بيان الأصول ثم يأتي بما يتفرع عنها من مسائل، أما الزنجاني فطريقته بالسير على أبواب الفقه ملتزما تخريج الفروع على الأصول التي تنتمي إليها، فالدبوسي ينسب المسائل المنثورة إلى الأصل الذي تفرعت منه، والزنجاني يضبط فروع الكتاب بضوابط من الأصول لتنطوي كلها تحت الباب الذي كان عنوان تلك الفروع.

3.1.5.2. 2- أكثر الزنجاني من مسائل أصول الفقه بينما لم يأت الدبوسي إلا بعدد يسير منها.

3.1.6. تنوعت طرق التأليف في هذا العلم فمنهم من لم يلتزم بأبواب الفقه كالدبوسي، ومنهم من صنّف كتابه وفقاً لأبواب الفقه كالزنجاني، ومنهم من رتب كتابه على أبواب أصول الفقه كالتلمساني والإسنوي.

3.1.7. ويعتبر كتاب الإسنوي من أهم الكتب في هذا العلم لأنه لم يترك قاعدة أصولية إلا وتعرض لها وحاول أن يذكر لها فرعا فقهياً، وتقل أهميته بأنه محصور في أصول الشافعية فقط، وأما التلمساني فقد أضاف الحنفية والمالكية.

3.1.8. وكما أن أكثر الفروع الفهية التي يذكرها الإسنوي تدور حول الطلاق وألفاظه، بينما الزنجاني يذكر مسائل من أبواب مختلفة وهذا أشدّ فائدة ونفعاّ وكذا فعل التلمساني

3.1.9. قال الإسنوي: (وَقد مهدت بكتابي هَذَا طَرِيق التَّخْرِيج لكل ذِي مَذْهَب وَفتحت بِهِ بَاب التَّفْرِيع لكل ذِي مطلب فلتستحضر أَرْبَاب الْمذَاهب قواعدها الْأُصُولِيَّة وتفاريعها ثمَّ تسلك مَا سلكته فَيحصل بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى لجميعهم التمرن على تَحْرِير الْأَدِلَّة وتهذيبها والتبين لمأخذ تضعيفها وتصويبها ويتهيأ لأكْثر المستعدين الملازمين للنَّظَر فِيهِ نِهَايَة الأرب وَغَايَة الطّلب وَهُوَ تمهيد الْوُصُول إِلَى مقَام اسْتِخْرَاج الْفُرُوع من قَوَاعِد الْأُصُول والتعريج إِلَى ارتقاء مقَام ذَوي التَّخْرِيج)

3.1.9.1. ومن أمثلة ما ذكره الإسنوي ما يلي:

3.1.9.1.1. الْكفَّار هَل هم مكلفون بِفُرُوع الشَّرِيعَة فِيهِ مَذَاهِب أصَحهمَا نعم قَالَ فِي الْبُرْهَان وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي فعلى هَذَا يكون مُكَلّفا بِفعل الْوَاجِب وَترك الْحَرَام وبالاعتقاد فِي الْمَنْدُوب وَالْمَكْرُوه والمباح وَالثَّانِي لَا وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَق الإِسْفِرَايِينِيّ وَالثَّالِث مكلفون بالنواهي دون الْأَوَامِر وَالرَّابِع أَن الْمُرْتَد مُكَلّف دون الْكَافِر الْأَصْلِيّ حَكَاهُ الْقَرَافِيّ عَن الملخص للْقَاضِي عبد الْوَهَّاب قَالَ وَمر بِي فِي بعض الْكتب الَّتِي لَا أستحضرها الْآن أَنهم مكلفون بِمَا عدى الْجِهَاد أما الْجِهَاد فَلَا لِامْتِنَاع قِتَالهمْ أنفسهم وَهَذِه الْمَسْأَلَة مِثَال لقاعدة وَهِي أَن حُصُول الشَّرْط الشَّرْعِيّ هَل هُوَ شَرط فِي صِحَة التَّكْلِيف أم لَا لَا جرم أَن الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا عبروا بالقاعدة الْأَصْلِيَّة

3.1.9.1.2. إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع

4. العلم السادس: اختلاف الفقهاء

4.1. إن الصلة بين المذاهب الفقهية واضحة حيث يتشابهون في مخططات وطرق عرض المسائل الفقهية، وهم يختلفون في تصوّر المسائل ومنهج الاستدلال، وهذه الخلافات تعطي كل مذهب طابعه الأصيل.

4.2. نشأ هذا العلم من عصر مبكر وكان يسمى علم الاختلاف أو اختلاف الفقهاء. كما أن أصول الفقه نشأ من عهد الرسول ﷺ ثم تبلور حتى صار علماً مستقلاً فكذلك علم الاختلاف كان موجوداً في أذهان مؤسسي المذاهب ثم تبلور ليكون تكملة ضرورية للبناء الفقهي لدراسة وتفسير مظاهر وأسباب الخلاف.

4.3. أقدم من ألّف في الاختلاف أبو حنيفة فإنه ألّف كتاب اختلاف الصحابة، ثم تلميذه أبو يوسف ألّف اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، وصنّف محمد بن الحسن الحجة على أهل المدينة، وقد تضنمن كتاب الأم للشافعي عدة كتب في الاختلاف، وصنّف المروزي اختلاف الفقهاء، واستمرت حركة التأليف في هذا الفنّ كاختلاف الفقهاء للطبري، والأوسط واختلاف العلماء والإشراف لابن المنذر، وتأسيس النظر للدبوسي، والمحلى لابن حزم، والتبصرة للشيرازي، والكافية في الجدل للجويني ناقش فيه وسائل علم الخلاف. واستمر التأليف في هذا العلم إلى وقتنا الحاضر.

4.4. وقد كان الدافع في السابق للتأليف في هذا الفنّ هو دفاع العلماء عن مذاهبهم والرد على المذاهب الأخرى، ولم توجد في هذه المرحلة المقارنة التي تفترض حداً من الحيادية،

4.4.1. وإن كان يظهر ميول المؤلف أحيانا، ويعتبر الطبري أول من استخدم هذه الطريقة، كما اتبع هذه الطريقة ابن رشد في بداية المجتهد

4.4.2. ثم في المرحلة الثالثة ظهر اتجاه تناول الفقه من جهة نظر مذهب معين مع عدم الإشارة إلى مذهب آخر، وبدأ بهذه الطريقة مبكراً الطحاوي في المختصر ولا يخلو بدائع الصنائع من مقارنة مستمرة مع الفقه الشافعي، والكتاب الذي يمثل هذه الطريقة أحسن تمثيل هة المغني لابن قدامة حيث استخدم المذهب المقارن بصورة بارعة حيث يبن وجوه الاختلاف بين الفقهاء ووجوه الاتفاق بينهم، ولا يذكر الخلاف إلا إذا دعت الحاجة له بسبب مبدأ جوهري في كل مذهب.

4.4.3. واستمر عمل الفقهاء على هذه الطريقة، ومع انتشار المذاهب ووقوف حركة الاجتهاد، تركز اهتمام الفقهاء على دراسة مذاهبهم خاصة ووجوه الاختلاف وقواعد الترجيح داخل المذهب نفسه لتحديد رأي يكون على أساسه الإفتاء والقضاء.

5. العلم الثامن: البدع، الحيل

5.1. البدع

5.1.1. اهتم الشاطبي بموضوع البدع وألّف فيه كتاب الاعتصام وبيّن فبه بالتفصيل أحكام البدع ومراتبها وأنواعها، ودخول الأمور العادية فيها، والفرق بينها وبين المصالح الكرسلة والاستحسان.

5.2. الحيل

5.2.1. عرّف بعض العلماء الحيل بأنها مخلص شرعي لمن ابتلي بحادثة دينية، وتسمى بهذا المعنى المخارج، وهو المقصود هنا.

5.2.2. من أول ألّف في هذا الفنّ كتب المخارج في الحيل محمد بن الحسن الشيباني،وقد أفرد البخاري في صحيحه باباً في إبطال الحيل التي تعود على مقاصد الشرع بالإبطال، وألّف الخصاف كتاب الحيل والمخارج.

5.2.2.1. م ظهر كتاب الحيل في الفقه للقزويني فبيّن فيه أقسام الحيل وأحكامها، وأن منها المحظور والمكروه والمباح، ولما ضعف الوازع الديني واختلط الحلال بالحرام وقف شيخ الإسلام ابن تيمية يردّ الحيل في فتاويه وفي رسالته إقامة الدليل على إبطال التحليل، وتبعه بذلك تلميذه ابن القيم الجوزية في كتابيه إعلام الموقعين وإغاثة اللهفان، وفي نفس الفترة كتب الشاطبي في الموافقات ما يقعّد ويضبط ويقارن بين الحيل والمخارج.

5.2.2.2. ثم أودع الطاهر ابن عاشور كتابه مقاصد الشريعة فصلاً في التحيّل وأحكامه وصوره.

5.2.2.3. ثم ظهرت كتب معاصرة في الحيل تناولته بنوع من السعة والشمول والتأصي ككشف النقاب عن مواقع الحيل من السنة والكتاب لمحمد بحيري، والحيل الفقهية في المعاملات المالية لمحمد بن إبراهيم، والحيل المحظور منها والمشروع لعبدالسلام ذهني.

6. نظرات عامة في التنظير الفقهي في كتب التراث

6.1. بعض العلماء من خصص كتابه لأحد هذه العلم كالكرخي في الاختلاف والزنجاني في التخريج، وبعضهم جمع بعض هذه العلوم ببعضها كابن رجب وابن السبكي، وبعضهم من خلط هذه العلوم مع غيرها من العلوم والمسائل الفرعية كالسيوطي وابن نجيم.

6.2. سبب التفاوت الكبير بين العلماء في عدد القواعد هو معيار اختيار القاعدة وتعريفها وذلك وفقاً لتجريد القاعدة.

6.3. من العلماء من رتّب القواعد على أحرف المعجم كالزركشي، ومنهم من رتّبها على أبواب الفقه كالمقّري، ومنهم من رتّبها بناء على الاتفاق والاختلاف في القاعدة كالسيوطي، ومنهم من راعى التجريد في القاعدة كابن السبكي.

6.4. فرّق بعض الفقهاء بين القواعد والضوابط بأن القواعد هي التي تجمع فروعاً من أبواب شتّى ، أما الضوابط فهي تجمع فروعاً من باب واحد، والملاحظ أن أغلب الضوابط عبارة عن أحكام جزئية، والقليل النادر الذي يجمع عدة فروع من باب واحد.

6.5. من المستحسن أن تطلق القاعدة على ما كان مطرداً وقلّ الاستثناء فيه، وأن يطلق الضابط على ما كثر الاستثناء فيه حيث تكون صفة القاعدة فيه متكلفة.

6.6. قريب من فوائد الضوابط علم الجمع بموضوع معين حيث يعتبر خطوة للتنظير الفقهي الشامل لموضوع معين وما فيه من القواعد والضوابط.

6.7. بعض القواعد يكون متفقاً عليها ولكن يختلف الفقهاء في ادراج بعض الفروع تحتها وهذا لا يقدح في صحة القاعدة.

6.8. بعض القواعد يختلف فيها العلماء وهذا لا ينال من صفتها القاعدية إذ هي عند من يقول بها مطردة، وغالباً ما يكون الخلاف فيها لسبب غير الاطراد.

6.9. أشار بعض أهل العلم إلى أن قواعد الفقه غالبية ليست مطردة لا تنقدح بخروج بعض الجزئيات منها.

6.10. تتبع العلماء بعض المسائل التي يدعو التشابه فيها إلى خضوعها تحت قاعدة واحدة ليصلوا إلى ما أدى إلى اختلاف الحكم بينها فظهر علم الفروق وهو عم يؤكد القاعدة الحاكمة لكل من المسألتين المتشابهتين.

6.11. وصلت الصناعة الفقهية والتنظير إلى حد الربط بين الأحكام وترتيبها في بناء فكري ومنطقي، فيميزون بين ما شرع على وفاق القياس وما شرع على خلاف القياس، ولا يجيزون في الأخير التوسع فيه والقياس عليه، وقد اعترض على هذه الفكرة من أساسها رافضاً مبدأ القياس وتعليل الأحكام، كما عارض هذه الفكرة ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في تطبيقاتها لا في أساسها.

6.12. وينبغي التنبيه على أن النصوص هي أساس التنظير وليست محكومة ببناء فكري أساسه الصناعة الفقهية المجردة.

6.13. كثير من القواعد مستمدة من النص مباشرة وكثير منها استنبطها الفقهاء من استقراء الأحكام الفرعية، ويترتب على هذا الفرق طريقة الاتسدلال فيها، فما استمد من نص شرعي فيصحّ الاستدلال بها مباشرة، أما القاعدة المستنبطة فينبغي الوصل إلى الحكم بطرق الاستنباط المعروفة من القياس والاستحسان وغيرها.

7. تلقى علماء الشافعية أصول إمامهم بالشرح والتفصيل والتوضيح خاصة بعد أن أغلق أكثرهم باب الاجتهاد المطلق فأدى ذلك إلى تنمية أصول المذهب.

8. النظريات الفقهية في علوم التراث الأخرى

8.1. لم يقتصر التنظير الفقهي على علم الأصول بل تبلورت حركة التنظير وأخذت اتجاهات عدّة كتنظير علم اختلاف الفقهاء والعلم القواعد الأصولية وعلم الفروق وعلم الأشباه والنظائر وعلم تخريج الفروع على الأصول وغيرها.

8.1.1. فعلم الفقه يتكلم عن الفروع الفقهية

8.1.2. بينما يتكلم أصول الفقه عن طرق استنباط هذه الأحكام الفرعية،

8.1.3. وأما علم اختلاف العلماء فيتحدث عن أسباب اختلاف العلماء في المسائل وكيف استدلوا على أحكامها،

8.1.4. وأما علم القواعد الفقهية فهو يجمع الأحكام الشرعية المتشابهة في قضية كلية تحكم على أغلب جزئياتها،

8.1.5. وأما علم الفروق فهو فنٌّ يبيّن سبب اختلاف أحكام المسائل المتشابهة، وأما علم تخريج الفروع على الأصول فهو يربط الجزئيات بأصولها وضوابطها.

8.2. من العلماء من جمع أكثر من علم في كتاب واحد

8.2.1. فالعزّ بن عبدالسلام مثلاً جمع بين القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية في كتابيه القواعد الكبرى والقواعد الصغرى،

8.2.2. وكما جمع القرافي بين علمي الفروق والقواعد الفقهية في كتابيه الذخيرة والفروق،

8.2.3. وجمع ابن القيم بين علمي بين علم الأصول وعلم المقاصد في كتابه إعلام الموقعين،

8.2.4. وجمع السبكي في الأشباه والنظائر بين القواعد والأصول وعلم الخلاف،

8.2.5. وممن جمع أكثر من فنّ في كتاب واحد الإسنوي والشاطبي والسيوطي وابن نجيم الحنفي.

9. العلم الثاني: مقاصد الشريعة

9.1. أهم من كتب في المقاصد من المتقدمين

9.1.1. العز بن عبدالسلام.

9.1.1.1. فألف العزّ كتبه القواعد الكبرى والقواعد الصغرى

9.1.1.2. وقد أرجع العزّ الفقه كله إلى جلب المصالح في الدارين، وبحث ما تعرف به المصالح والمفاسد وتفاوتها ورتبتها، وبحث ما عرفت حكمته وما لم تعرف، وقسم المصالح والمفاسد إلى العاجل والآجل، وإلى حقوق الله وحقوق العباد، وتحدث عن مصالح المعاملات واختلاف أحكامها بحسب المصالح، وتخلل الكتاب بعض القواعد الفقهية التي تضبط مباحثه وإن كان الكتاب لم يوضع أصلاً للقواعد الفقهية.

9.1.2. والشاطبي

9.1.2.1. ثم جاء الشاطبي فجعل الجزء الثاني من كتابه الموافقات في علم المقاصد، وقسم المقاصد إلى مقاصد الشارع ومقاصد المكلف، وقسم مقاصد الشارع باعتبار قصد وضعها ابتداء وقصد وضعها للإفهام وقصد وضعها للتكليف وقصد وضعها للامتثال، ولم يقتصر في كلامه عن المقاصد في هذا الجزء بل هو مبثوث في كتابه كله،

9.1.2.2. ومما ناقشه في كتابه من علم المقاصد تقسيم المصالح إلى ضروريات وحاجيات وتحسينات، وردّ أحكام الشريعة إلى المقاصد التي هي الكليات وبيّن أن الجزئيات التي لها أحوال خاصة لا تخرم الكليات فالكلّي لا ينخرم بالجزئي، والجزئي محكوم عليه بالكلّي، وضرب على ذلك أمثلة ككون العسل فيه شفاء لا ينخرم ذلك بإضراره لمن غلبت عليه الصفراء

10. العلم الثالث: القواعد

10.1. تاريخ القواعد وكتبه

10.1.1. أول من نطق بالقواعد الفقهية هو الرسول ﷺ وبهديه استنار الفقهاء، فمن القواعد التي نص عليها ﷺ (الخراج بالضمان)، وقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، ثم استقى الصحابة من منهول حكمته فأجمعوا على قواعد صيغت بعد ذلك على أيدي كبار فقهاء أرباب المذاهب كقاعدة (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد) فالأصل فيها إجماع الصحابة، وأغلب هذه القواعد استقرت عند العلماء وتدواولوها في كتبهم.

10.1.2. وأقدم من ألّف في القواعد من علماء المذاهب أبو طاهر الدباس الحنفي حيث جمع أهم ما في مذهب أبي حنيفة في أربع عشرة قاعدة

10.1.2.1. ، ثم أخذ علماء الحنفية يؤلفون الكتب في علم قواعد الفقه فألّف أبو الحسن الكرخي رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية، ومن علماء الحنفية من ضمن كتبه ببعض القواعد كمحمد بن الحارث الخشني في كتابه أصول الفتيا، وأبو زيد الدبوسي في كتابه تأسيس النظر.

10.1.3. وممن له باع في القواعد الفقهية عند الشافعية القاضي أبو علي المروزي حيث أرجع الفقه إلى أربع قواعد، كذلك العزّ بن عبدالسلام ذكر جملة من القواعد في كتابه القواعد الكبرى والصغرى،

10.1.3.1. ومن كتب الشافعية في القواعد المنثور في القواعد للزركشي واختصره الشعراني في المقاصد السنية في القواعد الشرعية.

10.1.4. ومن المالكية القرافي حيث جمع جملة من القواعد في كتابه الفروق بين القواعد، ولخّص كتابه هذا محمد البقوري،

10.1.4.1. وممن كتب من المالكية المقّري في كتابه القواعد، وأحمد الونشريسي حيث شمل كتابه إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك 108 قاعدة.

10.1.5. ومن الحنابلة ابن رجب ألف كتاب القواعد، ويوسف بن عبدالهادي صاغ ستة وسبعين قاعدة في آخر كتابه مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام

10.1.6. ثم جمعت مجلة الأحكام العدلية تسعة وتسعين قاعدة، وحررها محمد أل كاشف الغطاء في كتابه تحرير المجلة واختار منها خمسة وأربعين قاعدة، وألف الشيخ أحمد الزرقا ضرح القواعد الفقهية وجرى فيه على ترتيب قواعد الأحكام العدلية، وشرحها مصطفى الزرقا من كتابه المدخل الفقهي العام للقواعد الكلية في الفقه الإسلامي.

10.2. الدراسة التحليلة للقواعد

10.2.1. تقسم القواعد على أساس التجريد والشمول إلى ثلاثة أقسام:

10.2.1.1. 1- القواعد الكلية الأصلية.

10.2.1.2. 2- القواعد المشتركة بين أبواب فقهية من أقسام مختلفة.

10.2.1.3. 3- القواعد المشتركة بين أبواب الفقه من قسم واحد كالعبادات أو المعاملات.

10.2.1.4. 4- القواعد الخاصة بباب من أبواب الفقه.

10.2.2. ويمكن أن تقسّم القواعد الفقهية كذلك على أساس نوعية وموضوعية القاعدة إلى أربعة أقسام:

10.2.2.1. 1- القواعد الأصولية.

10.2.2.2. 2- القواعد الكلامية

10.2.2.3. 3- القواعد اللغوية.

10.2.2.4. 4- القواعد الفقهية

10.3. القواعد الكلية الأصلية

10.3.1. نظر الفقهاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية نظرة شاملة فأرجعوها إلى قواعد شاملة

10.3.1.1. حتى أرجع العزّ بن عبدالسلام جميع الفروع والقواعد إلى قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد،

10.3.1.2. وأرجع المروزي فقه الشافعية إلى أربع قواعد وهي:

10.3.1.2.1. 1- اليقين لا يزول بالشك.

10.3.1.2.2. 2- المشقة تجلب التيسير.

10.3.1.2.3. 3- الضرر يزال.

10.3.1.2.4. 4- العادة محكمة.

10.3.1.2.5. 5- وزاد السبكي قاعدة (الأمور بمقاصدها).

10.3.1.2.6. 6- وزاد ابن نجيم قاعدة (لا ثواب إلا بنية).

10.3.1.3. ثم استقر عمل العلماء على اعتماد هذه القواعد الخمس كقواعد كلية، ويرجع ذلك لعمومية هذه القواعد، ولا يعني ذلك أنها تشمل جميع المسائل الفرعية.

10.4. القواعد المشتركة بين أبواب فقهية من أقسام مختلفة

10.4.1. وهي التي عليها مدار الفروع ولا تختص بباب معين، ولكنها أقلّ تجريداً من النوع السابق فهي بمثابة المتفرع منها.

10.4.2. ويدخل في هذا النوع بعض القواعد التي ذكرها الكرخي في رسالته عن الأصول التي عليها مدار فرع الحنفية، وكذا يندرج تحت هذا النوع القسم الثاني من كتاب ابن السبكي القواعد والأشباه والنظائر، وجاء بعده الزركشي فرتب القواعد في كتابه المنثور على حروف المعجم، ولا يستدل الزركشي على لاقاعدة عادة وإن استدل فإنه في أكثر الأحوال يستدل من جهة العقل لا النقل، وذلك يرجع إلى أن القاعدة تكونت من بحث ونظر واستخدام للعقل من كبار الفقهاء، وقد عني العلماء بكتابه شرحاً واختصاراً،

10.4.3. ثم جاء ابن رجب فصنّف كتابه القواعد وقد حوى جزءاً من هذه القواعد كما احتوى على قواعد متعلقة بجزئية واحدة مما لا يجعلها قواعد بالمعنى المعروف، ثم جاء السيوطي فجعل القسم الثاني من مؤلفه الأشباه والنظائر في هذا النوع من القواعد، ومع تخصيصه هذا القسم من مؤلفه لهذه القواعد إلا أنه قد دخلت فيه بعض القواعد الجزئية، ثم جاء ابن نجيم الحنفي فألّف كتابه الأشباه والنظائر وجعل النوع الثاني من القسم الأول في القواعد الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية، وجميع ما أورده ابن نجيم مما أورده السيوطي وابن السبكي في كتبهم.

10.4.4. ومن أمثلة هذا القسم:

10.4.4.1. 1- الأصل أن للحالة من الدلالة كا للمقالة (الكرخي). 2- إذا بطل الخصوص بقي العموم (ابن السبكي). 3- إذا تعارض الواجب والمحظور يقدم الواجب (الزركشي). 4- ينزّل المجهول منزلة المعدوم (ابن رجب). 5- الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة ( السيوطي).

10.5. القواعد المشتركة في أبواب فقهية من قسم واحد

10.5.1. لم يرد في كتب القواعد هذا النوع من الأقسام، ولكن المتتبع يمكنه فصل هذا النوع من القواعد وتقسيمه وفقاً للأبواب الفقهية، فمثلا:

10.5.1.1. أ‌- في قسم العبادات: 1- ما لا يكون إلا عبادة لا يحتاج إلى نية (القرافي). 2- الإسلام يجبّ ما قبله (الزركشي). 3- ليس في الشريعة نفل يجزئ عن فرض إلا الوضوء قبل الوقت (المقّري). 4- الرخص لا تناط بالمعاصي (ابن السبكي – السيوطي)

10.5.1.2. ب‌- في قسم المعاملات: 1- ما تعلّق بعين مقدم على ما تعلّق بالذمة (الزركشي) 2- كل عقد أُعيد وجدّد فإن الثاني باطل (ابن نجيم). 3- عقود الأمانات المحضة تبطل بالتعدي (ابن رجب). 4- الأصل أن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة (الكرخي). 5- لا يتم التبرع إلا بالقبض (المجلة).

10.5.1.3. ت‌- في قسم القضاء 1- المرء مؤاخذ بإقراره (المجلة). 2- الأصل أن يعتبر في الدعاوى مقصود الخصمين في المنازعة دون الظاهر. (الكرخي) 3- القول للقابض في مقدار المقبوض (الزرقا)

10.6. القواعد الخاصة بباب من أبواب الفقه

10.6.1. إن استخراج القواعد من هذا القسم أسهم من استخراج القواعد المشتركة بين عدة أبواب، غير أن الفقهاء اتجهوا إلى هذا الاتجاه في عصر لاحق، فقد خصص ابن السبكي والسيوطي وابن نجيم أبواباُ كاملة من كتبهم لهذا النوع، وجاءت متناثرة عند غيرهم كالقرافي والزركشي وابن رجب، ومن أمثلة هذا القسم ما يلي:

10.6.1.1. أ‌- في باب الضمان: 1- ما جعله الله حقا للعباد لا ينقل الملك فيه إلا برضاهم، ما هو حق لله تعالى صرف لا يتمكن العباد إسقاطه. 2- من أتلف شيئاً لدفع أذاه لم يضمنه (ابن رجب) 3- كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجي الضمان في فاسده (ابن رجب) 4- ما صحّ رهنه صح ضمانه وما لا فلا (السيوطي) 5- من ضمن بالإذن رجع ومن لا فلا (السيوطي)

10.6.1.2. ب‌- في باب البيع: - ما يجوز بيع هو ما كان طاهراً منتفعاً به مقدوراً على تسليمه معلوم العين والثمن.

10.6.1.3. ت‌- في باب الزكاة: 1- المبادلة توجب استئناف حول في الزكاة إلا... (ابن السبكي) 2- لا تؤخذ القيمة في الزكاة إلا في أربعة مسائل ... (ابن السبكي)

10.6.1.4. ث‌- في باب الشركة: 1- الفتوى على جوازها في الفلوس (ابن نجيم) 2- للمفاوض العقد مع من لا تقبل شهادته (ابن نجيم)

10.6.1.5. ج‌- في باب المضاربة: 1- إذا فسدت المضاربة فللعامل أجرة المثل (ابن نجيم) 2- إذا ادعى المضارب فسادها فالقول لرب المال (ابن نجيم)

10.7. القواعد الأصولية

10.7.1. المقصود بالقواعد الأصولية هي القواعد التي تحكم أصول الفقه وتحكمها وتضبطها. يمكن تصنيف جزءاً من القواعد التي ذكرها الكرخي في كتابه على أنها قواعد أصولية (17 قاعدة)، ومنها ما يلي:

10.7.1.1. 1- الأصل إن كل آية تخالف قول أصحابنا تحمل على النسخ أو الترجيح والأولى حملها على التأويل من جهة التوفيق. 2- الأصل أنه إذا مضى بالاجتهاد لا يفسخ باجتهاد مثله ويفسخ بالنص. 3- الأصل أنه يجوز أن يكون أول الآية على العموم وآخرها على الخصوص.

10.7.2. رأى بعض الباحثين على الكرخي من قواعده الأصولية أنه متعصب لمذهبه وهذا فيه نظر بل هو تجنّ على الحقيقة فالأئمة المتبعون لا يتركون الدليل إلا لعذر من عدم الصحة عنده أو عدم ظهور الدلالة من النص عنده، أو اعتقاد نسخه، كما ذكره ابن تيمية في رفع الملام.

10.7.3. وذكر القرافي عدداً من القواعد الأصولية في الفصل الرابع من كتابه الفروق ومنها ما يلي:

10.7.3.1. 1- حق الله أمره ونهيه، وحق العبد مصالحه. 2- كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة. 3- حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف.

10.7.4. وقد خصص ابن السبكي القسم الخامس من كتابه القواعد والأشباه والنظائر لهذه القواعد الأصولية، وذكر منها ما يلي:

10.7.4.1. 1- الكافر مكلف في الفروع. 2- الأمر لا يقتضي التكرار. 3- القول أدل على الحكم والفعل أدلّ على الصفة.

10.7.5. وقد اشتمل كتاب المنثور للزكشي على كثير من القواعد الأصولية، منها ما يلي:

10.7.5.1. 1- الحاجة الخاصة تبيح الضرورة. 2- الحالّ لا يتأجل. 3- الخطأ يرفع الإثم.

10.7.6. وتشتمل القواعد الكلية التي أوردها السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر على بعض القواعد الأصولية، منها ما يلي:

10.7.6.1. 1- تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة. 2- الرخص لا تناط بالشك. 3- يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد.

10.8. القواعد الكلامية

10.8.1. انفرد ابن السبكي في ذكر هذا النوع من القواعد، فخصّ لها القسم الرابع من كتابه:

10.8.1.1. 1- السعادة والشقاوة لا يتبدلان. 2- العلة تسبق المعلول زماناً عند البعض وتقارنه عند الآخرين. 3- الحسن والقبح شرعي لا عقلي خلافاً للمعتزلة.

10.8.2. وللقواعد الكلامية أثر على الفروع الفقهية، ويمكن التمثيل له بقاعدة الحسن والقبح الشرعي هو الذي يترتب عليه المنع والذم والعقاب والثواب، وفيه مسائل منها:

10.8.2.1. 1- النجش حرم على الناجش وإن لم يعلم الخبر لأنه يعرف بالعقل. 2- إسلام الصبي لا يصح. 3- شهادة بعض أهل الذمة على بعض لا يصح.

10.9. القواعد اللغوية

10.9.1. احتلت القواعد اللغوية مكاناً هامّاً في كتب أصول الفقه بسبب أهميته في تفسير نصوص القران والسنة وكيفية الاستفادة منها.

10.9.2. وقد أفرد ابن السبكي لها قسماً خاصاً في كتابه الأشباه والنظائر فتكلم عن القواعد المتعلقة بحروف المعاني وأدوات الاستفهام والاستثناء والأسماء الموصولة، وتكلم عن المضمرات والمبتدأ والحال والعدد، وتكلم عن أثر هذه القواعد في تفسير النصوص.

10.9.3. وقد خصص الإسنوي كتاباً مستقلاً في هذا الشأن واسمه الكواكب الدرية في تخريج الفروع الفقهية على المسائل النحوية، وقد ذكر الإسنوي أمثلة من الفروع الفقهية مما وافق قواعد اللغة، وذكر أمثلة لما وافق القول المرجوح في اللغة، وكما ذكر فروعاً فقهية مخالفة لقواعد اللغة العربية لمانع كالاستحسان والعرف مثلاً.

10.9.4. وكما تحدث ابن فارس في كتابه الصاحبي عن أهمية معرفة اللغة العربية للمفتي، وكما بيّن ابن جنّي في الخصائص أن سبب ضلال كثير من أهل الشريعة هو ضعفهم في اللغة العربية، وكان الفراء يرى أن اللغة العربية تساعد على فهم أكثر العلوم، ويروى أن أبا عمر الجرمي مكث ثلاثين سنة يفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه.

10.9.5. وقد حصر ابن رشد أسباب الخلاف عند الفقهاء في ستة أسباب، معظمها يرجع إلى أساس لغوي مما يؤكد على أهمية اللغة لإصدار حكم شرعي.

10.10. القواعد الفقهية

10.10.1. على ما مرّ من أنواع القواعد فكل قاعدة لا تندرج تحت القواعد الأصولية ولا الكلامية ولا اللغوية فهي تدخل في القواعد الفقهية لأنها حينئذ متعلقة بموضوع الأحكام الفرعية. وهذا القسم يشمل الكثرة الغالبة من القواعد خاصة بأبواب الفقه أو المشتركة بين أبواب من قسم واحد.

11. التنظير الفقهي في علم أصول الفقه

11.1. نشأة علم أصول الفقه

11.1.1. 1- نشأ علم أصول الفقه مع علم الفقه حيث كان لكل عالم من السلف منهاجاً واضحاً للاستنباط، وكانوا يعملون بالقياس والخاص والعام والنسخ، واستمر عمل التابعين بالمناهج الأصولية من استخراج علل الأقيسة وضبطها، إلى أن جاء عصر الأئمة المجتهدين فتبينت قواعد الاستنباط وظهرت ملامحها فاستخدم أبو حنيفة القياس والاستحسان واحتجَ مالك بعمل أهل المدينة،

11.1.2. ثم جاء الشافعي فرسم مناهج الاستنباط ويبين ينابيع الفقه ووضع موازين أصول الفقه بعد أن طلب منه عبدالرحمن بن مهدي أن يضع كتابا فيه معاني القرآن والسنة والنسخ والإجماع فألّف الرسالة، بعد أن جمع علماً دقيقاً ولساناً عربياً فصيحاً، فجمع منهاج الاستنباط فكان له السبق في جمع شتات قواعد الاستنباط.

11.1.3. 2- ذهب بعض الشيعة أن محمد الباقر أول من دون أصول الفقه، وكما زعم الحنفية أن أئمة الحنفية من وضع هذا العلم، والخقيقة أنهم استخدموه ولم يجعلوه علماً مستقلاً كالشافعي.

11.1.4. 3- لم يكمل الشافعي علم الأصول من كل الوجوه بل جاء بعد الشافعي من زاد وحرر مسائل كثيرة في علم الأصول.

11.2. مناهج التأليف:

11.2.1. لقد تلقى الفقهاء جميعاً ما وصل إليه الشافعي بالدراسة والفحص، ولكنهم اختلفوا فمنهم من شرح أصول الشافعي ومنهم من قرر بعض أصوله وخالفه في جملة تفصيلات، ومن هؤلاء الحنفية والمالكية.

11.2.2. من العلماء من اتجه إلى علم أصول الفقه اتجاهاً نظرياً لا يتأثر بفروع المذهب وهذا الاتجاد يسمى بطريقة المتكلمين، ومنهم من تأثر بالفروع لخدمتها وإثبات سلامة الاستدلال فيها من أكثر من هذا الاتجاه هم الحنفية وتسمى طريقتهم بطريقة الفقهاء.

11.2.3. اتجه الشافعية في طريقتهم إلى تحقيق القواعد وتنقيحها من غير اعتبار مذهبي، وقد كثرت في هذا النهج الفروض النظرية والمناحي الفلسقية والمنطقية، وأثاروا بحوثاً نظرية كالتحسين والتقبيح العقليين وغيرها، فدرسوا القواعد على أنها حاكمة على الفروع بنظر مجرد عن مذهبهم في الفروع.

11.2.4. من أهم كتب الشافعية الرسالة للشافعي، والتقريب والإرشاد للقاضي الباقلاني، وقواطع الأدلة للسمعاني، واللمع للشيرازي، والبرهان للجويني، والعمد للقاضي عبدالجبار، والمعتمد لأبي الحسين البصري،والمستصفى للغزالي.

11.2.5. جمع الرازي في المحصول والآمدي في الإحكام بين الكتب الأربعة التي صارت عمدة أصول الفقه وهم الأربعة الأخيرة من الفقرة السابقة، ثم انكب العلماء على هذين الكتابين والمنهجين في الشرح والتوضيح والفك العبارة والنظم والاختصار.

11.2.6. واتجه الأحناف في طريقتهم ليثبتوا سلامة فروعهم بهذه المقاييس ، وهذا يدل أن تدوين أصول الفقه عند الحنفية جاء بعد بناء الفروع، وهذه الطريقة كان لها أثر في التفكير الفقهي العام لأنها استنباط لأصول الأحكام، ودراسة مطبقة في الفروع، فدراسة الأصول على هذا النحو هي دراسة فقهية كلية مقارنة ضبطت جزئيات المذهب وطرق التخريج فيه.

11.2.7. من أهم كتب الحنفية مآخذ الشريعة للماتريدي وأصول الكرخي وأصول الجصاص وتقويم الأدلة للدبوسي وأصول السرخسي.

11.2.8. وقد اتهج جمع من علماء المذاهب طريقة الحنفية ليبينوا صحة بناء الأصول على الفروع كتنقيح الفصول للقرافي والتمهيد للإسنوي، وكتب ابن تيمية وابن القيم في المذهب الحنبلي.

11.2.9. ومن العلماء من جمع بين الطريقتين كالساعاتي في كتابه بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي والإحكام، وجمع الجوامع للسبكي وشرحه الزركشي في تشنيف المسامع.

11.2.10. الكتب المنهج ابتداء التأليف

11.2.11. ثم بعد ذلك اقتصر المتأخرون على الشرح وفكّ العبارة ولم يزيدوا شيئاً من أنفسهم، ومن أفضل كتب المتأخرين مسلم الثبوت لابن عبدالشكور الهندي، وإرشاد الفحول للشوكاني.

11.3. تطور المضمون والترتيب في أصول الفقه

11.3.1. أضاف الرازي الجصاص في الفصول على كتاب الرسالة للشافعي ما يكمل مباحث علم أصول الفقه ثم استقر بعد ذلك، ويتميز بسلامة التركيب وسهولة التعبير، ثم جاءت الإضافة الرئيسية بعد ذلك بمئتي سنة حيث أدخل الغزالي في كتابه المستصفى مباحث كلامية ولغوية قرّر هو نفسه أنها ليست ضرورية.

11.3.1.1. هذه المقدمة ليست خاصة بأصول الفقه بل هي مقدمة العلوم كلها والمقصود هو تعريف مدارك العقول وكيفية تدرجها من الضروريات إلى النظريات على وجه يتبين فيه حقيقة العلم والنظر والدليل.

11.3.2. ومن حيث الترتيب فإن أصول الفقه في أول ظهوره جمع صوراً مفرقة لا يجمع بينها رابط تنسيقي معين ثم جاء الترتيب والتنسيق فجل الجصاص يرتب الأبواب والفصول ترتيباً يتسم بالبساطة وكذا صنع الشيرازي والجويني،

11.3.2.1. حتى جاء الغزالي فأدخل ترتيباً لم يسبق إليه،

11.3.2.1.1. فجعل مقدمة في مدارك العقول (الحد والبرهان)،

11.3.2.1.2. ثم جعل القطب الأول من الكتاب للكلام عن الثمرة وهي الحكم فتكلم عن حقيقته وأقسامه وأركانه وسببه،

11.3.2.1.3. ثم جعل القطب الثاني من الكتب في أدلة الأحكام فتكلم عن السنة والإجماع والاستصحاب وجميع الأدلة،

11.3.2.1.4. ثم القطب الثالث جعله في بيان كيفية استثمار الحكم فجعل فيه مقدمة تبحث في مبدأ اللغة والنظر في صيغة النص الشرعي وما يقتبس منه وكيفية الاستثمار من الألفاظ (القياس)

11.3.2.1.5. ثم جعل القطب الرابع في حكم المستثمِر فذكر فيه الاجتهاد والاستفتاء والتقليد والترجبح.

11.3.2.2. وبعد الغزالي أدخل الآمدي بعض التعديل في الترتيب مما أثّر على بعض المتأخرين كالشوكاني وعبدالوهاب خلاف.

12. المقدمة

12.1. المقصود بالنظرية الفقهية هي ذلك التصو الذي يقوم بالذهن سواء استنبط بالتسلسل الفكري المنطقي أو استمد من استقراء الأحكام الفرعية الجزئية.

12.2. يهدف التنظير إلى:

12.2.1. 1- تصور جامع لشتات الموضوع.

12.2.2. ‎2- بحث كافة أبعاد ومستويات الموضوع.

12.2.3. ‎3- التعرف على القواعد العامة المشتركة لمجموعة من الفروع.

12.3. من الشائع القول بأن الشريعة الإسلامية لا تحتوي على نظريات عامة، وهذا خطأ حيث وصل فقهاء السلف في مجال التنظير والتجديد العلمي، وسبب هذه الشائعة ما يلي:

12.3.1. 1- صعوبة إخراج النظريات من بطون الكتب.

12.3.2. 2- حاجة إخراج النظريات إلى جهد علمي كبير

12.3.3. 1- الأحكام والقواعد الفرعية.

12.3.4. 3- صعوبة الترتيب حيث أن كثير من النظريات تكتمل مباحثها شيئا فشيئا.

12.4. لا يدخل في التنظير الفقهي ما يلي:

12.4.1. 2- الفتوى وحكم القاضي في واقعة معينة.

12.4.2. 3- الوقائع والتصرفات محل الأحكام الشرعية.

12.5. العقيدة أساس ومنشأ العلوم الشرعية، والنظرية العامة للشريعة تحكم جميع فروع الشريعة، يليها النظريات المشتركة وهي التي يشترك فيها أكثر من باب، ثم تستقل أبواب الفقه بنظريات تحكم جزئياته.

12.6. مظان البحث عن النظريات الفقهية:

12.6.1. يمكن البحث عن النظريات الفقهية في كتب أصول الفقه وعلم الكلام والفلسفة والسياسة الشرعية والأحكام السلطانية والقواعد الفقهية وغيرها، وهي لا تقتصر على كتب الفقه.