1. القسم الثالث في مقاصد التشريع التي تختص بأنواع المعاملات بين الناس
1.1. (1)المعاملات في توجُّه الأحكام التشريعية إليها مرتبتان: مقاصد ووسائل
1.1.1. هذا من المباحث التي لم يف المتقدمون بما يستحقه من التحقيق والتدقيق واقتصروا منه على ما يرادف المسألة الملقبة بسد الذرائع، فسموا الذريعة وسيلة والمتذرع إليه مقصدا ولم أر من سبق إلى فرض هذا في غير بحث سد الذرائع سوى العز في قواعده، وما زاده شهاب الدين القرافي في الفرق الثامن والخمسين
1.1.1.1. المقاصد هي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها. والوسائل هي الطرق المفضية إليها.
1.1.2. واقتصروا في كلامهما على تخصيصها بمبحث المصالح والمفاسد، فغرضنا نحن أوسع، والفقيه إليه أحوج.
1.2. (2)- المقاصد والوسائل
1.2.1. المقاصد هي الأعمال والتصرفات المقصودة لذاتها، والتي تسعى النفوس إلى تحصيلها بمساع شتى، أو تحمل على السعي إليها امتثالا. وتلك تنقسم إلى قسمين:
1.2.1.1. مقاصد للشرع
1.2.1.2. ومقاصد للناس في تصرفاتهم وهي: المعاني التي لأجلها تعاقدوا أو تعاطوا أو تغارموا أو تقاضوا أو تصالحوا وهي قسمان:
1.2.1.2.1. قسم هو أعلاها، وهو أنواع التصرفات التي اتفق عليها العقلاء أو جمهورهم لما وجدوها ملائمة لانتظام حياتهم الاجتماعية، مثل الإجارة وما كان من أحكام تلك الأنواع مقصودا بها لذاته لكونه قوام ماهيتها، كالتأجيل في السلم
1.2.1.2.2. وقسم هو دون ذلك، وهو الذي يقصده فريق من الناس أو آحاد منهم في تصرفاتهم لملاءمة خاصة بأحوال مثل العمرى والعرية
1.2.1.3. وهذه المقاصد بقسميها منها ما يدعى بحق الله، ومنها ما هو حق للعبد.
1.2.1.3.1. وحق الله المراد بها حقوق للأمة فيها تحصيل النفع العام أو الغالب أو حق من يعجز عن حماية حقه.
1.2.1.3.2. وحق العباد التصرفات التي يجلبون بها لأنفسهم ما يلائمها، أو يدفعون بها عنهم ما ينافرهم، دون أن يفضي ذلك إلى انخرام مصلحة عامة أو جلب مفسدة عامة، ولا إلى انخرام مصلحة شخص أو جلبمصلحة له، أو جلب مضرة له في تحصيل مصلحة غيره
1.2.1.3.3. ويقترن الحقان - حق الله، وحق العبد - في مثل القصاص والقذف والاغتصاب، فيغلب حق الله في الغالب
1.2.2. وأما الوسائل فهي الأحكام التي شرعت لأن يتم بها تحصيل أحكام أخرى. وهي غير مقصودة لذاتها بل لتحصيل غيرها على الوجه المطلوب الأكمل، إذ بدونها قد لا يحصل المقصد، أو يحصل معرضا للاختلال والانحلال، كالإشهاد في النكاح
1.2.2.1. وتنقسم كانقسام المقاصدالمتقدم زقد تتعدد إلى المقصد الواحد فتعتبر الشريعة في التكليف بتحصيل أقوى تلك الوسائل تحصسلا للمقصد؛ بحيث يحصل كاملا. وأما باعتبار تسببها في حصول المقصد إذا حصل ذلك التسبب فلا التفات إلى تفاتها في كيفية التحصيل
1.3. (3)- مقصد الشريعة تعيين أنواع الحقوق لأنواع مستحقّيها
1.3.1. وجماع أصول تعيين الحقوق هو أحد أمرين: إما التكوين وإما الترجيح.
1.3.1.1. فالتكوين أن يكون أصل الخلقة قد كون الحق مع تكوين صاحبه وقرن بينهما، وهو أعظم حق في العالم.
1.3.1.2. والترجيح هو إظهار أولوية جانب على آخر في حق صالح لجانبين فأكثر.
1.3.2. و نستطيع أن نستقري ما بدا لنا من أنواع الحقوق على مراتبها إلى تسع مراتب، مرتبة على حسب قوة موجب الاستحقاق فيها لمستحقيها:
1.3.2.1. المرتبة الأولى: الحق الأصلي المستحق بالتكوين وأصل الجبلة. وهو حق المرء في تصرفات بدنه وحواسه ومشاعره، مثل الأكل والنظر. وحقه أيضا فيما تولد عنه، كحق المرأة في الطفل الذي تلده ما دام لا يعرف لنفسه حقا أو لم تثبت له الشريعة حقا
1.3.2.2. المرتبة الثانية: ما كان قريبا من هذا, ولكنه يخالفه بأن فيه شائبة من تواضع اصطلح عليه نظام الجماعة أو الشريعة.وذلك مثل حق الأب في أولاده وعتبارهم نسلا منه . وقد كانوا في الجاهلية يثبتون الأنساب بطرق شتى.
1.3.2.3. المرتبة الثالثة: أن يكون المستحق وغيره سواء في إمكان تحصيل الحق، ولكن بعض المستوين قد سعى أو عمل بيده أو بدنه، أو بابتدار لتحصيل الشيء قبل غيره، كالاحتطاب والصيد
1.3.2.4. المرتبة الرابعة دون هذه، وهي أن يكون الطريق إلى نوال الشيء هو الغلبة والقوة وقد أقرت الشريعة ما وجدته بأيدي الناس من آثار هذه الوسيلة.
1.3.2.5. المرتبة الخامسة: حق السبق الذي لم يصاحبه إعمال جهد في تحصيل الحق.وذلك مثل مقاعد الأسواق، ومجالس المساجد
1.3.2.6. المرتبة السادسة: أن يكون المستحق قد نال الحق بطريق ترجيحه على متعدد من المستحقين في مراتب أخرى لتعذر تمكين الجميع من الانتفاع بالشيء المستحق. كجعل الحضانة للأم
1.3.2.7. المرتبة السابعة: نوال الحق ببذل عوض في مقابلته يدفع إلى صاحب الحق إرضاء له, لأنه ثابت له بمرتبة من المراتب المتقدمة، وهو التعاوض فيما يقبل التعويض.
1.3.2.8. المرتبة الثامنة: أن ينال الحق - بعد انقراض مستحقه - أقرب الناس إليه وأولاه بأخذ حقوقه.
1.3.2.9. المرتبة التاسعة: مجرد المصادفة دون عمل أو سعي. وهذه أضعف المراتب. وللعلماء في اعتبارها خلاف. فلذلك لا تجري أمثلتها إلا على رأي بعض العلماء مثل القرعة في القسمة في مذهب مالك
1.4. (4) - مقاصد أحكام العائلة
1.4.1. ولا جرم أن الأصل الأصيل في تشريع أمر العائلة هو إحكام آصرة النكاح، ثم إحكام آصرة القرابة، ثم إحكام آصرة الصهر، ثم إحكام كيفية انحلال ما يقبل الانحلال من هذه الأواصر الثلاث.
1.4.2. (5) - آصرة النكاح
1.4.2.1. قد استقريت ما يستخلص منه مقصد الشريعة في أحكام النكاح الأساسية والتفريعية فوجدته يرجع إلى أصلين:
1.4.2.1.1. الأصل الأول: اتضاح مخالفة صورة عقده لبقية صور مايتفق في اقتران الرجل بالمرأة.
1.4.2.1.2. الأصل الثاني: أن لا يكون مدخولا فيه على التوقيت والتأجيل.
1.4.3. (6) - آصرة النسب والقرابة
1.4.3.1. واستقراء مقصد الشريعة في النسب أفادنا أنها تقصد إلى نسب لا شك فيه ولا محيد به عن طريقة النكاح
1.4.4. (7)- آصرة الصهر
1.4.4.1. واستقراء مقصد الشريعة في النسب أفادنا أنها تقصد إلى نسب لا شك فيه ولا محيد به عن طريقة النكاح
1.4.4.2. الصهر آصرة بقرابة أهل آصرة النكاح كالربائب وأخت الزوجة وعمتها وخالتها وأم الزوجة، أو بنكاح أهل آصرة القرابة كزوجة الابن وزوجة الأب.
1.4.5. (8) - طرق انحلال هذه الأواصر الثلاث
1.4.5.1. انحلال آصرة النكاح: بالطلاق من تلقاء الزوج، وبطلاق الحاكم، وبالفسخ. والمقصد الشرعي فيه ارتكاب أخف الضرر عند تعسر استقامة المعاشرة، وخوف ارتباك حالة الزوجين، وتسرب ذلك
1.4.5.2. وانحلال آصرة الصهر تابع لانحلال آصرة أصل منشئه على تفصيل فيه. فمنه انحلال تام مثل أخت المرأة وعمتها وخالتها إذا انفكت عصمة تلك المرأة بموت أو طلاق، ومنه ما لا انحلال فيه مثل أم الزوجة وزوجة الأب وزوجة الابن والربائب.
1.4.5.3. انحلال آصرة النسب نيط بآصرة البنوة لأنها أصل النسب كما قلنا، وعلى نحوها تثبت الأبوة والأمومة ثم بقية تفاريع النسب الانحلال طريقان: أولهما اللعان، وثانيهما إثبات انتساب الولد إلى أب غير الذي ينسبه إلى نفسه أو ينسبه الناس إليه
1.5. (9) - مقاصد التصرفات المالية
1.5.1. [مقدمة]
1.5.1.1. وقد تقرر عند علمائنا أن حفظ الأموال من قواعد كليات الشريعة الراجعة إلى قسم الضروري. ويؤخذ من كلامهم أن نظام نماء الأموال وطرق دورانها هو معظم مسائل الحاجيات كالبيع
1.5.1.1.1. وإن معظم قواعد التشريع المالي متعلقة بحفظ أموال الأفراد وآئلة إلى حفظ مال الأمة, لأن منفعة المال الخاص عائدة إلى المنفعة العامة لثروة الأمة.
1.5.2. (10) - الملك والتكسب
1.5.2.1. لإثراء الأمة وأفرادها طريقان
1.5.2.1.1. أحدهما التملك، والملك: تمكن الإنسان شرعا من الانتفاع بعين أو منفعة من تعويض ذلك أو من الانتفاع به وإسقاطه للغير، فخرج التصرف بوجه العصمة
1.5.2.1.2. والمقصد الشرعي في الأموال كلها خمسة أمور:
1.5.2.1.3. ، والثاني التكسب وهو: معالجة إيجاد ما يسد الحاجة إما بعمل البدن أو بالمراضاة مع الغير.
1.5.2.2. فمقصد الشريعة في ثبات التملك والاكتساب أمور:
1.5.2.2.1. الأول: أن يختص المالك الواحد أو المتعدد بما تملكه بوجه صحيح، بحيث لا يكون في اختصاصه به وأحقيته تردد ولا خطر
1.5.2.2.2. الثاني: أن يكون صاحب المال حر التصرف فيما تملكه أو اكتسبه تصرفا لا يضر بغيره ضرا معتبرا، ولا اعتداء فيه على الشريعة.
1.5.2.2.3. الثالث: أن لا ينتزع منه بدون رضاه
1.5.3. (11) - الصحة والفساد
1.5.3.1. رعي مقاصد الشريعة من التصرفات المالية تجري أحكام الصحة والفساد في جميع العقود في التملكات والمكتسبات
1.5.3.1.1. . فالعقد الصحيح هو الذي استوفى مقاصد الشريعة منه، فكان موافقا للمقصود منه في ذاته،
1.5.3.1.2. والعقد الفاسد هو الذي اختل منه بعض مقاصد الشريعة.
1.6. (12) - مقاصد الشريعة في المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان
1.6.1. المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان هي إجارة الأبدان، والمساقاة، والمغارسة، والقراض، والجعل، والمزارعة
1.6.2. ولقد استقريت ينابيع السنة في هذه المعاملات البدنية على قلة الآثار الواردة في ذلك وتتبعت مرامي علماء سلف الأمة وخاصة علماء المدينة في شأنها، فاستخلصت من ذلك: أن المقاصد الشرعية فيها ثمانية.
1.6.2.1. أحدها: تكثير المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان. وهذا مدلول لاغتفار الغرر فيها
1.6.2.2. الثاني: الترخيص في اشتمالها على الغرر المتعارف في أمثالها، وهو من لوازم الأمر الأول
1.6.2.3. الثالث: التحرز عما يثقل على العامل في هذه العقود، لكي لا يستغل رب المال اضطرار العامل إلى التعاقد على العمل
1.6.2.4. الرابع: أن هذه العقود لم يعتبر لزوم انعقادها بمجرد القول، بل جعلت على الخيار إلى أن يقع الشروع في العمل عندنا . أما الجعل والقراض فباتفاق ، وأما المغارسة والمزارعة فعلى الراجح (1). ولم يستثن منها إلا المساقاة، فقالوا: لزومها بالعقد , لأن في تأخير لزومها إضرارا على الأشجار والزرع.
1.6.2.5. الخامس: إجازة تنفيل العملة في هذه العقود بمنافع زائدة على ما يقتضيه العمل بشرط دون تنفيل رب المال.
1.6.2.6. السادس: التعجيل بإعطاء عوض عمل العامل بدون تأخير ولا نظرة ولا تأجيل, لأن العامل مظنة الحاجة إلى الانتفاع بعوض عمله، إذ ليس له في الغالب مؤثل مال
1.6.2.7. السابع: إيجاد وسائل إتمام العمل للعامل فلا يلزم بإتمامه بنفسه.
1.6.2.8. الثامن: الابتعاد عن كل شرط أو عقد يشبه استعباد العامل، بأن يبقى يعمل طول عمره أو مدة طويلة جدا بحيث لا يجد لنفسه مخرجا
1.7. (13) - مقاصد أحكام التبرعات
1.7.1. المراد هنا هو التبرعات المقصود منها التمليك والإغناء وإقامة المصالح المهمة الكائنة في الغالب بأموال يتنافس في مثلها المتنافسون، ويتشاكس في الاختصاص بها المتشاكسون.
1.7.2. وقد نجد في استقراء الأدلة الشرعية منبعا ليس بقليل يرشدنا إلى مقاصد الشريعة من عقود التبرعات.
1.7.2.1. المقصد الأول: التكثير منها لما فيها من المصالح العامة والخاصة
1.7.2.2. المقصد الثاني: أن تكون التبرعات صادرة عن طيب نفس لا يخالجه تردد,
1.7.2.3. المقصد الثالث: التوسع في وسائل انعقادها حسب رغبة المتبرعين.
1.7.2.4. المقصد الرابع: أن لا يجعل التبرع ذريعة إلى إضاعة مال الغير من حق وارث أو دائن
1.8. (14)- مقاصد أحكام القضاء والشهادة
1.8.1. أنبأنا استقراء الشريعة من أقوالها وتصرفاتها بأن مقصدها: أن يكون للأمة ولاة يسوسون مصالحها، ويقيمون العدل فيها، وينفذون أحكام الشريعة بينها
1.8.1.1. وتعين لتحقيق تنفيذ الشريعة إيقاع حرمتها في النفوس
1.8.1.2. مقصد الشريعة من نظام هيئة القضاء كلها على الجملة أن يشتمل على مافيه إعانة على إظهار الحقوق وقمع الباطل الظاهر والخفي
1.8.2. مقصد الشريعة من القاضي إبلاغه الحقوق إلى طالبيها. وذلك يعتمد أمورا:
1.8.2.1. أصالة الرأي
1.8.2.1.1. تستدعي العقل، والتكليف، والفطنة، وسلامة الحواس
1.8.2.2. العلم
1.8.2.2.1. المراد به العلم بالأحكام الشرعية التي يجري بها القضاء فيما ولي عليه من أنواع النوازل.
1.8.2.3. السلامة من نفوذ غيره عليه
1.8.2.3.1. هو مندرج في اشتراطهم في صفات القاضي الحرية
1.8.2.4. العدالة
1.8.2.4.1. الوازع عن الجور في الحكم والتقصير في تقصي النظر في حجج الخصوم
1.9. (15) - المقصد من العقوبات
1.9.1. من أكبر مقاصد الشريعة هو حفظ نظام الأمة، وليس يحفظ نظامها إلا بسد ثلمات الهرج والفتن والاعتداء
1.9.2. فمقصد الشريعة من تشريع الحدود والقصاص والتعزير وأروش الجنايات ثلاثة أمور
1.9.2.1. الأول تأديب الجاني
1.9.2.1.1. وهو راجع إلى المقصد الأسمى. وهو إصلاح أفراد الأمة الذين منهم يتقوم مجموع الأمة كما قدمناه في البحث المتعلق بالمقصد العام من التشريع
1.9.2.2. الثاني إرضاء المجني عليه
1.9.2.2.1. إبطالا للانتقام الذي لا يكون معه العدل أبدا لصدوره عن حنق وغضب
1.9.2.3. الثالث زجر المقتدي بالجناة.
1.9.2.3.1. وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} . قال ابن العربي في أحكام القرآن: "إن الحد يردع المحدود، ومن شهده وحضره يتعظ به ويزدجر لأجله، ويشيع حديثه فيعتبر به من بعده
2. محاور حول الكتاب
2.1. منزلة الكتاب
2.1.1. قالوا فيه
2.1.1.1. أجود من تناول المقاصد والوسائل من المعاصرين
2.1.1.2. يعد تطوير لعلم من علوم الشريعة
2.2. سبب تصنيفه
2.2.1. سبب مذكور في الكتاب
2.2.1.1. وإن أعظم ما يهم المتفقهين إيجاد ثلةمن المقاصد القطعية، ليجعلوها أصلا يصار إليه في الفقه والجدل.على أننا غير ملتزمين للقطع وما يقرب منه في التشريع، إذ هو منوط بالظن. وإنما أردت أن تكون ثلة من القواعد القطعية ملجأ نلجأ إليه عند الاختلاف والمكابرة، وأن ما يحصل من تلك القواعد هو ما نسميه علم مقاصد الشريعة، وليس ذلك بعلم أصول الفقه.
2.2.2. سبب يعرف من حال المصنف
2.3. مصادر مقاصد الشريعة
2.4. عمل ابن عاشور في تجريده لهذا العلم
2.4.1. عمد الطاهر بن عاشور الى تجريد مقاصد الشريعة عن اصول الفقه. وعمد الى اقامته اقامة مستقلة واتخذ لهذا التجريد ولهذه الاقامة. عدة خطوات
2.4.1.1. بين الحاجة لعلم مقاصد الشريعة وفائدته وفرق بينه وبين اصول الفقه فقال ان مباحث علم اصول الفقه وان تضمنت مقاصد للشريعة لكن مقاصد الشريعة تباينها وتخالفها في بنيانها وفائدتها
2.4.1.1.1. فعلم اصول الفقه هو دلالة تركيبية على الالفاظ الشرعية. فيفيد ما تدل عليه الالفاظ الشرعية. اما علم المقاصد الشريعة فهو قواعد كلية وحكم الشريعةوعللها وما الى ذلك. فهي لا تعتمد في اقامتها على الالفاظ وانما على المعاني المستقرة.
2.4.1.2. اثبت المقاصد ونص على اقسامها. بعدة اعتبارات وعمد الى طرق اثباتها وعلى مراتبها في الثبات و بنى على جهود المتقدمين في هذا
2.4.1.3. ذكر طريقة السلف في رجوعهم إلى مقاصد الشريعة وبين أنحاء الاستفادة منها في تصرفات المجتهدين بفقههم
2.4.1.4. بين مقاصد الشريعة العامة ومقاصدها الخاصة، وحرر الصفة الضابطة لمقاصد الشريعة بذكر شروطها وما تدخله من المعاني
2.4.1.5. بين طرق استثمار المقاصد وجعلها قانونا للاجتهاد يحتكم إليه وحكما على المجتدين
2.4.1.6. ثم بعد ذلك. فعل هذه المقاصد.في فقه المعاملات فكانت دراسة تطبيقية على فقه المعاملات في بيان مقاصدها. وكيفية استثمار هذه المقصاد والافادة منها
2.4.2. بنى على كلام الشاطبي وأضاف عليه مباحث يقتضيها تجريده للمقاصد واستقلالها مثل: مراتب المقاصد وطرق إثباتها ومصادرها في كتب المتقدمين ومواضعها من العلوم وأرجعها إلى وصف الفطرة
2.4.3. فارق الشاطبي في تناوله المقاصد إذ قسم مقاصد الشريعة باعتبار عمومها وخصوصها وقسمها الشاطبي باعتبار مقاصد الشارع ومقاصد المكلف
2.4.4. أضاف تحريرات لمفاهيم لصيقة بالمقاصد
2.5. التعليل المقاصدي
2.5.1. أ- التأصيل
2.5.1.1. مقدمات الاستدلال على مقاصد الشريعة
2.5.1.1.1. حسني ص189
2.5.2. ب- توظيف التعليل المقاصدي
2.5.2.1. 1- بيان حكمة التشريع
2.5.2.2. الترجيح بين مصلحتين مختلفتين
2.5.2.3. إلحاق الفرع بأصل جزئي
2.5.2.4. إلحاق الفرع بأصل كلي
2.5.3. ج-تطبيقات للتعليل المقاصدي
2.5.3.1. الانتباذ في الأوعية
2.5.3.2. حكم خنزير البحر
2.5.3.3. عدم العمل بخيار المجلس عند مالك
2.5.3.4. اشتراط الحرية في القاضي في حتى يسلم حكمه من نفوذ غيره عليه
2.5.3.5. جعل الطلاق بيد الرجل لأنه أحرص على بقاء الرابطة الزوجية
2.5.3.6. منع المرأة من التعدد حفاظا على النسل
2.6. إضافات ابن عاشور
2.6.1. منهجية
2.6.1.1. تطبيق المقاصد وتفعيلها
2.6.1.2. إفراده مقاصد الشرع وتجريدها كعلم مستقل
2.6.1.3. البناء على ما تقدم والإضافة عليه
2.6.2. التأصيل المقاصدي للقواعد
2.6.2.1. وهو من الجانب التأصيلي للنظرية فيما يتعلق بتأسيس جملة من الأصول القطعية للتفقه
2.6.2.1.1. ولم قتصر على بيان تلك الأصول بل عمل على تحديد مجال في أنحاء خمسة
2.6.2.1.2. [والجديد في ذلك أنها أبرزت منهجيا هيمنة النظر المقاصدي ومكنت من ضرورة التمييز المنهجي الدقيق بين قواعد الاستنباط اللغوية زبين توجيه المقاصد الشرعية لها]
2.6.3. الإضافات الواردة في النظرية( إسماعيل الحسني )
2.6.3.1. ضبط المنهاج في إثبات المقاصد الشرعية
2.6.3.2. ضبط موضوع النظرية
2.6.3.2.1. ويمكن حصر أبرز جهات ضبط موضوع النظرية في
2.6.3.3. مجمل القول
2.6.3.3.1. ٢
2.6.3.3.2. ١
2.6.4. متفرقة
2.7. معالم تميز في الكتاب
2.7.1. تنوع الأدوات العلمية في المعالجة حسب
2.7.2. تضمن تحريرات فقهية وأصولية
2.7.3. كثرة الاستقراءات التي اختص بها المؤلف
2.7.4. بروز الجانب التفعيلي للمقاصد فأكثر من توظيف المسائل والجزئيات وكثرت الأمثلة في الكتاب
2.7.5. تكامل البناء العلمي والموازنة بين التفعيل والتأصيل
2.7.6. الربط بين الفصول والبناء على ما أصله
2.7.7. تنوع العلوم الموظفةأثناء معالجة التطبيقات المقاصدية
2.7.8. دقة العبارة
2.7.9. الشخصية العلمية البارزة المستقلة للكاتب
2.7.10. كتب ببيان ناصع وأسلوب عالي
3. إشكالات
3.1. إخراج المقاصد عن إطارها الحافظ لها
3.1.1. هل المقاصد علم مستقل؟
3.1.2. هل يمكن رفع الخلاف؟ ، وهل بلغ ابن عاشور مراده؟
3.2. التقليل من شأن علم أدلة أصول الفقه
3.2.1. على أن معظم مسائل أصول الفقه لا ترجع إلى خدمة حكمة الشريعة ومقصدها، ولكنها تدور حول محور استنباط الأحكام من ألفاظ الشارع بواسطة قواعدَ تمكِّن العارف بها من انتزاع الفروع منها، أو من انتزاع أوصاف تُؤذن بها تلك الألفاظُ يمكن أن تجعل تلك الأوصاف باعثاً على التشريع، فتقاسُ فروع كثيرة على مورد لفظ منها، باعتقاد اشتمال تلك الفروع كلها على الوصف الذي اعتقدوا أنه مرادٌ من لفظ الشارع، وهو الوصف المسمى بالعلّة.
3.2.2. وبعبارة أقرب: تُمَكِّن تلك القواعدُ المتضلِّعَ فيها من تَأْيِيد فروع انتزعها الفقهاء قبل ابتكار علم الأصول، لتكون تلك الفروع بواسطة تلك القواعد مقبولةً في نفوس المزاولين لها من مقلِّدي المذاهب.
3.2.3. وقُصارَى ذلك كله: أنها تؤول إلى محامل ألفاظ الشارع في: انفرادها، واجتماعها، وافتراقها، حتى تقرِّب فهمَ المتضلِّع فيها من فهام أصحاب اللسان العربي القُحّ، كمسائل مقتضيات الألفاظ وفروقها: من عموم، وإطلاق، ونصًّ، وظهور، وحقيقة، وأضداد ذلك؛ وكمسائل تعارض الأدلة الشرعية: من تخصيص، وتقييد، وتأويل، وجمع، وترجيح، ونحو ذلك. وتلك كلها في تصاريف مباحثها بمعزل عن بيان حكمة الشريعة ومقاصدها العامة والخاصة في أحكامها، فهم قَصَروا مباحثهم على ألفاظ الشريعة، وعلى المعاني التي أنبأت عنها الألفاظ، وهي عِلل الأحكام القياسية.
3.2.4. التقليل من شأن الدلالة اللفظية
3.2.4.1. فاعلم أننا لسنا بسبيل أن نستدل على إثبات المقاصد الشرعية المتنوعة بالأدلة المتعارفة التي ألفنا الخوض فيها في علم أصول الفقه، وفي مسائل أدلة الفقه، وفي مسائل الخلاف، لأن وجود القطع والظن القريب منه بين تلك الأدلة مفقود أو نادر، لأن تلك الأدلة إن كانت من القرآن وهو متواتر اللفظ فمعظم أدلته ظواهر. وفي القرآن أدلة على مقاصد الشريعة قريبة من النصوص سنذكرها في تقسيمها الآتي. وإن كانت الأدلة من السنة فهي كلها أخبار آحاد، وهي لا تفيد القطع ولا الظن القريب منه (
3.3. وسم االتشريع بالظنية
3.3.1. قال (على أننا غير ملتزمين للقطع وما يقرب منه في التشريع، إذ هو منوط بالظن.)
3.4. وقوع المؤلف بما انتقد فيه الشاطبي
3.4.1. قطعية أصول الفقه
3.4.1.1. مراد الشاطبي
3.4.1.2. تفسير ابن عاشور
3.4.2. إدخال الظني في المقاصد وهو مما رام تخليص أصول الفقه منه
3.5. جعل المساواة والحرية من مقاصد الشرع العامة
3.6. عدم وضوح الترتيب حال دون تمام الفائدة
3.7. جزئيات
3.7.1. جعل الاعتقاد الصحيح من سبيل الإرشاد ومايترتب عليه
3.7.2. (وكان حقا على أئمة الفقه أن لا يساعدوا على وجود الأحكام التعبدية في تشريع المعاملات، وأن يوقنوا بأن ما ادعي التعبد فيه منها إنما هو أحكام قد خفيت عللها أو دقت.)
4. مقدمة المؤلف
4.1. سبب التأليف
4.1.1. الحاجة إلى أصول قطعية يتحاكم إليها
4.1.1.1. (وكيف نصل إلى الاستدلال على تعيين مقصد ما من تلك المقاصد استدلالا يجعله بعد استنباطه محل وفاق بين المتفقهين سواء في ذلك من استنبطه ومن بلغه، فيكون ذلك بابا لحصول الوفاق في مدارك المجتهدين أو التوفيق بين المختلفين من المقلدين.)
4.1.2. سبب اختلاف الأصوليين بتقييد الأدلة بالقواطع
4.1.2.1. هو: الحيرة بين ما ألفوه من أدلة الأحكام، وبين ما راموا أن يصلوا إليه من جعل أصول الفقه قطعية كأصول الدين السمعية
4.1.3. (وإني قصدت في هذا الكتاب خصوص البحث عن مقاصد الإسلام من التشريع في قوانين المعاملات والآداب، التي أرى أنها الجديرة بأن تخص باسم الشريعة، والتي هي مظهر ما راعاه الإسلام من تعاريف المصالح والمفاسد وتراجيحها مما هو مظهر عظمة الشريعة الإسلامية بين بقية الشرائع والقوانين والسياسات الاجتماعية، لحفظ نظام العالم وإصلاح المجتمع)
4.2. مصادر مقاصد الشريعة
4.2.1. (وهذه هي مباحث المناسبة والإخالة في مسالك العلة ومبحث المصالح المرسلة ، ومبحث التواتر ، والمعلوم بالضرورة، ومبحث حمل المطلق على المقيد إذا اتحد الموجِب والموجب أو اختلفا).
4.2.1.1. [وكذلك ماوجد في المطولات الفقهية كما ذكر ]
4.3. مضمون الكتاب
4.3.1. (وإني قصدت في هذا الكتاب خصوص البحث عن مقاصد الإسلام من التشريع في قوانين المعاملات والآداب، التي أرى أنها الجديرة بأن تخص باسم الشريعة، والتي هي مظهر ما راعاه الإسلام من تعاريف المصالح والمفاسد وتراجيحها مما هو مظهر عظمة الشريعة الإسلامية بين بقية الشرائع والقوانين والسياسات الاجتماعية، لحفظ نظام العالم وإصلاح المجتمع)
4.4. مصطلحات المؤلف في كتابه
4.4.1. (فمصطلحي إذا أطلقت لفظ التشريع: أني أريد به ما هو قانون للأمة، ولا أريد به مطلق الشيء المشروع. فالمندوب والمكروه ليسا بمرادين لي. كما أرى أن أحكام العبادات جديرة بأن تسمى بالديانة، ولها أسرار أخرى تتعلق بسياسة النفس وإصلاح الفرد الذي يلتئم منه المجتمع. لذلك قد اصطلحنا على تسميتها بنظام المجتمع الإسلامي، وقد خصصتها بتأليف سميته: أصول النظام الاجتماعي في الإسلام. وفي هذا التخصيص نلاقي بعض الضيق في الاستعانة بمباحث الأئمة المتقدمين، لنضوب المنابع النابعة من كلام أئمة الفقه وأصوله)
5. القسم الأول في إثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها, وطرق إثباتها ومراتبها
5.1. (1) - إثبات أن للشريعة مقاصد من التشريع.
5.1.1. استقراء أدلة كثيرة من القرآن والسنة الصحيحة يوجب لنا اليقين بأن أحكام الشريعة الإسلامية منوطة بحكم وعلل راجعة للصلاح العام للمجتمع والأفراد
5.2. (2)- احتياج الفَقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة
5.2.1. إن تصرف المجتهدين بفقههم في الشريعة يقع على خمسة أنحاء. والفقيه بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة ف هذه الأنحاء كلها.
5.2.1.1. النحو الأول: استفادة مدلولات أقوالها، بحسب الاستعمال اللغوي، وبحسب النقل الشرعي بالقواعد اللفظية التي بها عمل الاستدلال الفقهي. وقد تكفل بمعظمه علم أصول الفقه.
5.2.1.2. النحو الثاني: البحث عما يعارض الأدلة التي لاحت للمجتهد، والتي استكمل إعمال نظره في استفادة مدلولاتها، ليستيقن سلامتها مما يبطلها
5.2.1.2.1. وحاجته في الأنحاء الثلاثة الأولى: فاحتياجه في النحو الأول منها إلى ذلك احتياج ما ليجز بكون اللفظ منقولا شرعا مثلا. واحتياجه إليه في النحو الثاني أشد، لأن باعث اهتدائه إلى البحث عن المعارض، ثم إلى التنقيب على ذلك المعارض في مظانه، يقوى ويضعف بمقدار ما ينقدح في نفسه، وقت النظر في الدليل الذي بين يديه، من أن ذلك الدليل غير مناسب لأن يكون مقصودا للشارع على علاته. فبمقدار تشككه يشتد تنقيبه وبمقدار ذلك التشكك يحصل له الاقتناع بانتهاء بحثه عن المعارض عند عدم العثور عليه.
5.2.1.3. النحو الثالث: قياس ما لم يرد حكمه في أقوال الشارع على حكم ما ورد حكمه فيه بعد أن يعرف علل التشريعات الثابتة بطريق من طرق مسالك العلة المبينة في أصول الفقه.
5.2.1.3.1. لأن القياس يعتمد إثبات العلل، وإثبات العلل قد يحتاج إلى معرفة مقاصد الشريعة كما في المناسبة، أي: تخريج المناط، وكما في تنقيح المناط ، وإلغاء الفارق ألا ترى أنهم لما اشترطوا أن العلة تكون ضابطا لحكمة كانوا قد أحالونا على استقراء وجوه الحكم الشرعية التي هي من المقاصد .
5.2.1.4. النحو الرابع: إعطاء حكم لفعل لا يعرف حكمه فيما لاح للمجتهدين من أدلة الشريعة، ولا له نظير يقاس عليه.
5.2.1.4.1. وفيه أثبت مالك حجية المصالح المرسلة .فيه أيضا قال الأئمة بمراعاة الكليات الشرعية الضرورية، وألحقوا بها الحاجي والتحسينية، وسموا الجميع بالمناسب وهو مقرر في مسالك العلة من علم أصول الفقه (1). وفي هذا النحو هر أهل الرأي إلى إعمال الرأي والاستحسان فقامت في وجوههم ضجة علماء الأثر الذين اطلعوا على أدلة من الأثر والعمل، فيها أحكام الأحوال و الحوادث التي فاتت أهل الرأي معرفتها،
5.2.1.5. النحو الخامس: تلقي بعض أحكام الشريعة الثابتة عنده تلقي من لم يعرف علل أحكامها ولا حكمة الشريعة في تشريعها. فهو يتهم نفسه بالقصور عن إدراك حكمة الشارع منها، ويستضعف علمه في جنب سعة الشريعة، فيسمي هذا النوع بالتعبدي.
5.2.1.5.1. لأنه بمقدار ما يستحصل من مقاصد الشريعة ويستكثر مما حصل في علمه منها، يقل بين يديه ذلك النحو الخامس الذي هو مظهر حيرة.
5.2.2. [تلقي المقاصد خاص بالعلماء]
5.2.2.1. وليس كل مكلف بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة، لأن معرفة مقاصد الشريعة نوع دقيق من أنواع العلم. فحق العامي أن يتلقى الشريعة بدون معرفة المقصد، لأنه لا يحسن ضبطه ولا تنزيله. ثم يتوسع للناس في تعريفهم المقاصد بمقدار ازدياد حظهم من العلوم الشرعية، لئلا يضعوا ما يلقنون من المقاصد في غير مواضعه، فيعود بعكس المراد.
5.3. (3)- طرق إثبات المقاصد الشرعية
5.3.1. علينا أن نرسم طرائق الاستدلال على مقاصد الشريعة بما بلغنا إليه بالتأمل، وبالرجوع إلى كلام أساطين العلماء .
5.3.1.1. - الطريق الأول: استقراء الشريعة في تصرفاتها، وهو على نوعين
5.3.1.1.1. أعظمهما: استقراء الأحكام المعروفة عللها المثبتة بطرق مسالك العلة؛ لأننا إذا استقرينا علل كثيرة متماثلة في كونها ضابطا لحكمة متحدة أمكن أن نستخلص منها حكم واحدة، فنجزم بأنها مقصد شرعي،.
5.3.1.1.2. النوع الثاني: استقراء أدلة أحكام اشتركت في علة، بحيث يحصل لنا اليقين بأن تلك العلة مقصد مراد للشارع.
5.3.1.2. الطريق الثاني: أدلة القرآن الواضحة الدلالة التي يضعف احتمال أن يكون المراد منها غير ما هو ظاهرها بحسب الاستعمال العربي
5.3.1.2.1. مثل ما يؤخذ من قوله تعالى: {والله لا يحب الفساد}، وقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، وقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ففي كل آية من هذه الآيات تصريح بمقصد شرعي أو تنبيه على مقصد.
5.3.1.3. الطريق الثالث: السنة المتواترة. وهذا الطريق لا يوجد له مثال إلا في حالين:
5.3.1.3.1. الحال الأول: المتواتر المعنوي الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة عملا من ج فيحصل لهم علم بتشريع في ذلك يستوي فيه جميع المشاهدين.
5.3.1.3.2. الحال الثاني: تواتر عملي، يحصل لآحاد الصحابة من تكرر مشاهدة أعمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث يستخلص من مجموعها مقصدا شرعيا
5.4. (4)- طريقة السلف في رجوعهم إلى مقاصد الشريعة
5.4.1. وهذا المبحث يتنزل منزلة طريق من طرق إثبات المقاصد الشرعية، ولكني لم أعده في عدادها من حيث إني لم أجد حجة في كل قول من أقوال السلف
5.4.2. ولكن مناط الحجة لنا بأقوالهم أنها دالة على أن مقاصد الشريعة على الجملة واجبة الاعتبار، وأن أقوالهم أيضا لما تكاثرت قد أنبأتنا بأنهم كانوا يتقصون بالاستقراء مقاصد الشريعة من التشريع.
5.4.3. مثاله: أخرج مالك في الموطأ حديث: "البيعان بالخيار ما لم يفترقا" ثمّ عقّبه بقوله: وليس لهذا عندنا حد محدود ولا أمر معمول به، أي في تقدير مدّة عدم تفرّقهما ولم يقل به مالك في مذهبه. وعلّلوا ذلك بمنافاته لمقصد الشارع من بتّ العقود. فمحمل الافتراق عنده أنه الافتراق بالقول وهو صدور صيغة البيع
5.5. (5)- أدلّة الشريعة اللفظية لا تستغني عن معرفة المقاصد الشرعية
5.5.1. لا غنية للمتكلم والسامع عن قرائن مبينة لمراد المتكلم مزيلة للاحتمال عنه وما يحف الكلام من الاصطلاحات والسياق، وإن أدق مقام في الدلالة وأحوجه إلى الاستعانة عليها مقام التشريع.
5.6. (6)- انتصاب الشارع للتشريع
5.6.1. أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يصدر عنها قول منه أو فعل - اثني عشر حالا. منها ما وقع في كلام القرافي، ومنها ما لم يذكره.
5.6.1.1. التشريع
5.6.1.2. والفتوى
5.6.1.3. القضاء
5.6.1.4. الإمارة
5.6.1.5. الهدي
5.6.1.6. الصلح
5.6.1.7. الإشارة على المستشير
5.6.1.8. النصيحة
5.6.1.9. تكميل النفوس
5.6.1.10. تعليم الحقائق العالية
5.6.1.11. التأديب
5.6.1.12. التجرد عن الإرشاد
5.7. (7) - مقاصد الشريعة مرتبتان: قطعية وظنية
5.7.1. مثال المقاصد الشرعية القطعية: ما يؤخذ من متكرر أدلة القرآن تكررا ينفي احتمال قصد المجاز والمبالغة، نحو كون مقصد الشارع التيسير
5.7.2. المقاصد الظنية فتحصيلها سهل من استقراء غير كبير لتصرفات الشريعة، لأن ذلك الاستقراء يكسبنا علما باصطلاح الشارع وما يراعيه في التشريع.
5.7.2.1. مثل الضرر والضرار مبثوث منعه في الشريعة كلها، في وقائع جزئيات، وقواعد كليات
5.8. (8)- تعليل الأحكام الشرعية، وخلو بعضها عن التعليل وهو المسمّى التعبّدي
5.8.1. وجدنا الفقهاء الذين خاضوا في التعليل والقياس قد أوشكوا أن يجعلوا تقسيم أحكام الشريعة بحسب تعليلها ثلاثة أقسام:
5.8.1.1. 1 - قسم معلل لا محالة. وهو ما كانت علته منصوصة أو مومأ إليها، أو نحو ذلك.
5.8.1.2. 2 - وقسم تعبدي محض. وهو ما لا يهتدى إلى حكمته.
5.8.1.3. 3 - وقسم متوسط بين القسمين. وهو ما كانت علته خفية، واستنبط له الفقهاء علة، واختلفوا فيه، كتحريم ربا الفضل في الأصناف الستة،
5.8.2. وجملة القول أن لنا اليقين بأن أحكام الشريعة كلها مشتملة على مقاصد الشارع، وهي حكم ومصالح ومنافع لذلك كان الواجب على علمائها
5.8.2.1. تعرف علل التشريع ومقاصده ظاهرها وخفيها
5.8.2.2. فإن أعوز العلماء الكشف عن مراد الشارع وجب عليهم أن لا يتجاوزوا المقدار المأثور عنه في ذلك الحكم،
5.8.2.3. وإنما ذلك في غير أبواب المعاملات المالية والجنائية. فأما هذان فلا أرى أن يكون فيها تعبدي، وعلى الفقيه استنباط العلل فيها.
6. القسم الثاني في مقاصد التشريع العامة
6.1. مقاصد التشريع العامة
6.1.1. هي: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة.
6.2. (1) - الصفة الضابطة للمقاصد الشرعية.
6.2.1. المقاصد الشرعية نوعان:
6.2.1.1. معان حقيقية
6.2.1.1.1. التي لها تحقق في نفسها بحيث تدرك العقول السليمة ملاءمتها للمصلحة أو منافرتها لها، أي تكون جالبة نفعا عاما أو ضرا عاما، إدراكا مستقلا عن التوقف على معرفة عادة أو قانون، كإدراك كون العدل نافعا
6.2.1.2. معان عرفية
6.2.1.2.1. المجربات التي ألفتها نفوس الجماهير،استحسنتها استحسانا ناشئا عن تجربة ملاءمتها لصلاح الجمهور كإدراك كون العقوبة رادعة
6.2.2. ويشترط في جميعها
6.2.2.1. (الثبوت): بأن تكون تلك المعانى مجزوما بتحققها أو مظنونا ظنا قريبا من الجزم
6.2.2.2. (الظهور): وهو الاتضاح، بحيث لا يختلف الفقهاء في تشخيص المعنى، ولا يلتبس على معظمهم بمشابهه، مثل حفظ النسب الذي هو المقصد من مشروعية النكاح.
6.2.2.3. (الانضباط): بأن يكون للمعنى حد معتبر لا يتجاوزه ولا يقصر عنه
6.2.2.4. الاطراد: أن لا يكون المعنى مختلفا باختلاف أحوال الأقطار والقبائل والأعصار، مثل وصف الإسلام، والقدرة على الإنفاق فى تحقيق مقصد الملاءمة للمعاشرة المسماة بالكفاءة
6.3. (2)- ابتناء مقاصد الشريعة على وصف الشريعة الإسلامية الأعظم وهو الفطرة.
6.3.1. الدليل قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} أي:أقم وجهك للدين الحنيف الفطرة. والمراد من الدين: مجموع ما يسمى بالدين من عقائد وأحكام.
6.3.1.1. ومعنى وصف الإسلام بأنه {فطرت الله}: أن الأصول التي جاء بها الإسلام هي من الفطرة، ثم تتبعها أصول وفروع هي من الفضائل الذائعة المقبولة فهي راجعة إلى أصول الفطرة
6.3.2. الفطرة: الخلقة، أي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق ففطرة الإنسان هي خلق عليه الإنسان ظاهرا وباطنا، أي: جسدا وعقلا
6.3.3. إذا تعارضت مقتضيات الفطرة ولم يمكن الجمع بينها في العمل يصار إلى ترجيح أولاها وأبقاها على استقامة الفطرة. فلذلك كان خصاء البشر من أعظم الجنايات
6.4. (3)- السماحة أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها.
6.4.1. استقراء الشريعة دل على أن السماحة واليسر من مقاصد الدين.
6.4.2. حكمة السماحة أن هذه الشريعة دين الفطرة. وأمور الفطرة راجعة إلى الجبلة، فهي كائنة في النفوس سهل عليها قبولها. ومن الفطرة النفور من الشدة والإعنات.
6.5. (4)- المقصد العام من التشريع.
6.5.1. باستقراء موارد الشريعة تبين أن المقصد العام من التشريع فيها هو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح الإنسان
6.5.1.1. ويشمل صلاحه وصلاح عقله وصلاح عمله وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه.
6.5.2. من عموم هذه الأدلة ونحوها حصل لنا اليقين بأن الشريعة متطلبة لجلب المصالح ودرء المفاسد، واعتبرنا هذا قاعدة كلية في الشريعة.
6.5.2.1. وانتظم لنا الآن أن المقصد الأعظم من الشريعة هو جلب الصلاح ودرء الفساد
6.5.3. والإصلاح نوه به الشارع لم يرد به مجرد صلاح العقيدة وصلاح العمل بل أراد منه صلاح أحوال الناس وشؤونهم في الحياة الاجتماعية.
6.6. (5)- بيان المصلحة والمفسدة.
6.6.1. المصلحة:وصف للفعل يحصل به الصلاح، أي النفع منه دائما أو غالبا للجمهور أو للآحاد.
6.6.1.1. مصلحة عامة: وهي ما فيه صلاح عموم الأمة أو الجمهور، ولا التفات منه إلى أحوال الأفراد إلا من حيث إنهم أجزاء من مجموع الأمة وهذا هو معظم ما جاء فيه التشريع القرآني. ومنه معظم فروض الكفايات
6.6.1.2. ومصلحة خاصة: وهي ما فيه نفع الآحاد باعتبار صدور الأفعال من آحادهم ليحصل بإصلاحهم صلاح المجتمع المركب منهم مثل الحجر على السفيه
6.6.2. المفسدة:وصف للفعل يحصل به الفساد، أي الضر دائما أو غالبا للجمهور أو للآحاد.
6.6.3. الضابط الذي به نعتبر الوصف مصلحة أو مفسدة خمسة أمور
6.6.3.1. أن يكون النفع أو الضر محققا مطردا. مثل استنشاق الهواء، وإحراق المحصول دون غاية
6.6.3.2. أن يكون النفع أو الضر غالبا واضحا تنساق إليه عقول العقلاء والحكماء بحيث لا يقاومه ضده عند التأمل وهذا أكثر أنواع المصالح والمفاسد المنظور إليها في التشريع مثل إنقاذ الغريق
6.6.3.3. أن لا يمكن الاجتزاء عنه بغيره في تحصيل الصلاح وحصول الفساد
6.6.3.4. أن يكون أحد الأمرين من النفع أو الضر مع كونه مساويا لضده معضودا بمرجح من جنسه
6.6.3.5. أن يكون أحدهما منضبطا محققا والآخر مضطربا.
6.7. (6)- طلب الشريعة للمصالح.
6.7.1. المصلحة بأنواعها تنقسم قسمين:
6.7.1.1. أحدهما ما يكون فيه حظ ظاهر للناس في الجبلة يقتضي ميل نفوسهم إلى تحصيله لأن في تحصيله ملاءمة لهم. مثل تناول الأطعمة لإقامة الحياة، ولبس الثياب
6.7.1.1.1. ليس من شأن الشارع أن يتعرض له بالطلب،لكفاية داعي الجبلة
6.7.1.1.2. وإنما شأن الشريعة أن تزيل عنه موانع حصوله، كمنع الاعتداء على أحد بافتكاك طعامه ولباسه
6.7.1.2. والثاني ما ليس فيه حظ ظاهر لهم مثل: توسيع الطرقات وتسويتها، وإقامة الحرس بالليل. فهذا ونحوه ليس فيه حظ ظاهر لفرد من الأفراد
6.7.1.2.1. يتعرض له التشريع بالتأكيد، ويرتب العقوبة على تركه والاعتداء عليه. وقد أوجب بعضه على الأعيان، وبعضه على الكفايات بحسب محل المصلحة
6.7.1.3. وخلاصة القول: إن الشريعة تحافظ أبدا على المصلحة المستخف بها، سواء كانت عامة أم خاصة، حفظا للحق العام أو للحق الخاص الذي غلب عليه هوى الغير أو هواه هو نفسه. ومتى تعارضت المصلحتان رجحت المصلحة العظمى
6.8. (7) - أنواع المصلحة المقصودة من التشريع.
6.8.1. تنقسم المصالح باعتبار آثارها في قوام أمر الأمة إلى ثلاثة أقسام: ضرورية، وحاجية، وتحسينية.
6.8.2. تنقسم باعتبار تعلقها بعموم الأمة أو جماعاتها أو أفرادها إلى: كلية، وجزئية.
6.8.3. تنقسم باعتبار تحقق الاحتياج إليها في قوام أمر الأمة أو الأفراد إلى: قطعية، أو ظنية، أو وهمية
6.9. (8)- عموم شريعة الإسلام.
6.9.1. واختار الله العرب لهذه الأمانة لأنهم يومئذ امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم. وهي:
6.9.1.1. جودة الأذهان وذلك لفهم الدين وتلقينه.
6.9.1.2. قوة الحوافظ، ليكونوا أهل لحفظه وعدم الاضطراب في تلقيه.
6.9.1.3. بساطة الحضارة والتشريع، ليكونوا أهل لسرعة التخلق به
6.9.1.4. والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم، ليكونوا أهل لمعاشرة بقية الأمم، إذ لا حزازات بينهم وبين الأمم الأخرى
6.9.2. عموم الشريعة ساير البشر في سائر العصور مما أجمع عليه المسلمون. وقد أجمعوا على أنها مع عمومها صالحة للناس في كل زمان ومكان. ولم يبينوا كيفية هذه الصلوحية. وهي عندي تحتمل أن تتصور بكيفيتين:
6.9.2.1. الكيفية الأولى أن هذه الشريعة قابلة بأصولها وكلياتها للانطباق على مختلف الأحوال بحيث تساير أحكامها مختلف الأحوال دون حرج ولا مشقة ولا عسر
6.9.2.2. الكيفية الثانية أن يكون مختلف أحوال العصور والأمم قابلا للتشكيل على نحو أحكام الإسلام دون حرج ولا مشقة ولا عسر، كما أمكن تغيير الإسلام لبعض أحوال العرب وبقية الأمم المسلمة من غير أن يجدوا حرجا ولا عسرا في الإقلاع عما نزعوه من قديم أحوالهم الباطلة
6.10. (9)- المساواة.
6.10.1. بناء على أن الإسلام دين الفطرة، فكل ما شهدت الفطرة بالتساوي فيه بين المسلمين، يفرض فيه التساوي بينهم. وما لم تشهد الفطرة بتفاوت البشرية فيكون حكمه موكولا إلى النظم المدنية التي تتعلق بها سياسة الإسلام لا تشريعه.
6.10.1.1. فالمساواة في التشريع للأمة ناظرة إلى تساويهم في الخلقة وفروعها، مما لا يؤثر التمايز فيه أثرا في صلاح العالم.
6.10.1.2. المساواة في التشريع أصل لا يتخلف إلا عند وجود مانع؛ ولذلك صرح علماء الأمة بأن خطاب القرآن بصيغة التذكير يشمل النساء
6.10.1.3. موانع المساواة هي العوارض التي إذا تحققت تقتضي إلغاء حكم المساواة لظهور مصلحة راجحة في ذلك الإلغاء، أو لظهور مفسدة عند إجراء المساواة.
6.10.1.4. ثم إن العوارض المانعة من المساواة في بعض الأحكام أقسام أربعة: جبلية، وشرعية، واجتماعية، وسياسية. وكلها قد تكون دائمة أو مؤقتة، طويلة أو قصيرة.
6.11. (10) - ليست الشريعة بنكاية.
6.11.1. الإسلام إذا رخص وسهل فقد جاء على الظاهر من سماحته وإذا شدد أو نسخ فلرعي صالح الأمة والتدرج بها إلى مدارج الصلاح مع الرفق
6.12. (11)- مقصد الشريعة من التشريع تغيير وتقرير.
6.12.1. والتحقيق أن للتشريع مقامين:
6.12.1.1. المقام الأول تغيير الأحوال الفاسدة وإعلان فساده
6.12.1.2. والمقام الثاني تقرير أحوال صالحة قد اتبعها الناس. وهي الأحوال المعبر عنها بالمعروف
6.13. (12)- نوط الأحكام الشرعية بمعانٍ وأوصاف لا بأسماء وأشكال.
6.13.1. مقصد الشريعة من أحكامها كلها إثبات أجناس تلك الأحكام (2) * لأحوال وأوصاف وأفعال من التصرفات خاصها وعامها، باعتبار ما تشتمل عليه تلك الأحوال والأوصاف والأفعال من المعاني المنتجة صلاحا ونفعا، أو فسادا وضرا، قويين أو ضعيفين.
6.13.2. إياك أن تتوهم أن بعض الأحكام منوط بأسماء الأشياء أو بأشكالها الصورية غير المستوفاة المعاني الشرعية فتقع في أخطاء في الفقه، مثل قول بعض الفقهاء في صنف من الحيتان يسميه البعض خنزير البحر، أنه يحرم أكله، لأنه خنزير
6.14. (13)- أحكام الشريعة قابلة للقياس باعتبار العلل والمقاصد القريبة والعالية.
6.14.1. استقراء الشريعة في تصرفاتها قد أكسب فقهاء الأمة يقينا بأنها ما سوت في جنس حكم من الأحكام جزئيات متكاثرة إلا ولتلك الجزئيات اشتراك في وصف يتعين عندهم أن يكون هو موجب إعطائها حكما متماثلا
6.14.1.1. فإن كانت تلك الأوصاف فرعية قريبة سميناها عللا مثل الإسكار
6.14.1.2. إن كانت كليات سميناها مقاصد قريبة مثل حفظ العقل
6.14.1.3. وإن كانت كليات عالية سميناها مقاصد عالية، وهي نوعان مصلحة ومفسدة
6.14.2. فالأصل في الأحكام الشرعية كلها قبول القياس عليها، ما قامت منها معان ملحوظة للشارع. فيجب أن تكون أنواع الأحكام التي لا يجري في مثلها القياس قليلة جدا
6.15. (14)- التحيّل على إظهار العمل في صورة مشروعة مع سلبه الحكمة المقصودة للشريعة.
6.15.1. اسم التحيل يفيد معنى إبراز عمل ممنوع أو غير معتد بهشرعا في صورة عمل جائز أو معتد لقصد التفصي من مؤاخذته، ولا شك أنه باطل
6.15.2. وأدي بنا الاستقراء إلى تنويعه إلى خمسة أنواع:
6.15.2.1. النوع الأول تحيل يفيت المقصد الشرعي كله ولا يعوضه بمقصد شرعي آخر. وذلك بأن يتحيل بالعمل لإيجاد مانع من ترتب أمر شرعي، مثل وهب المال قبل تمام الحول
6.15.2.2. النوع الثاني تحيل على تعطيل أمر مشروع على وجه ينقل إلى أمر مشروع آخر، مثل عرض المبتوتة نفسها بغرض الفراق، وهذا النوع في الجملة جائز
6.15.2.3. النوع الثالث تحيل على تعطيل أمر مشروع على وجه يسلك به أمرا مشروعا هو أخف عليه من المنتقل منه. مثل لبس الخف لإسقاط غسل الرجلين في الوضوء.
6.15.2.4. النوع الرابع تحيل في أعمال ليست مشتملة على معان عظيمة مقصودة للشارع. وفي التحيل فيها تحقيق لمماثل مقصد الشارع من تلك الأعمال. مثل التحيل في الأيمان التي لا يتعلق بها حق الغير.
6.15.2.5. النوع الخامس تحيل لا ينافي مقصد الشارع، أو هو يعين على تحصيل مقصده، ولكن فيه إضاعة حق لآخر أو مفسدة أخرى.مثل اتطويل عد المطلقة حين كا الطلاق لا نهاية له في صدر الإسلام،
6.16. (15)- سد الذرائع.
6.16.1. اعتبار الشريعة بسد الذرائع يحصل عند ظهور غلبة مفسدة المآل على مصلحة الأصل. فهذه هي الذريعة الواجب سدها.
6.16.2. وقد تأملنا فوجدنا الذريعة على قسمين:
6.16.2.1. قسم لا يفارقه كونه ذريعة إلى فساد بحيث يكون مآله إلى الفساد مطردا، أي بحيث يكون الفساد من خاصة ماهيته، وهذا القسم من أصول التشريع في الشريعة. مثل تحريم الخمر
6.16.2.1.1. وهذا القسم أصل القياس في هذا الباب
6.16.2.2. وقسم قد يتخلف مآله إلى فساد تخلفا قليلا أو كثيرا. وهذا القسم بعضه كان سببا للتشريع المنصوص، مثل منع بيع الطعام قبل قبضه، وبعضه لم يحدث موجبه في زمان النبوة
6.16.2.2.1. فربما اتفق الفقهاء على حكمه، وربما اختلفوا، وذلك تابع لمقدار اتضاح الإفضاء إلى المفسدة وخفائه، وكثرته وقلته، ووجود معارض ما يقتضي إلغاء المفسدة وعدم المعارض، وتوقيت ذلك الإفضاء ودوامه.
6.16.2.2.2. وهذا القسم يتجلى فيه القياس ويخفى، بحسب ما يرى الفقيه من قربه من الأصل المقيس عليه وبعده. فيرجع مراعاة هذه الذرائع إلى حفظ المصالح ودرء المفاسد،
6.17. (16)- نوط التشريع بالضبط والتحديد.
6.17.1. استقريت من طرق الانضباط والتحديد في الشريعة ست وسائل:
6.17.1.1. الوسيلة الأولى: الانضباط بتمييز المواهي والمعاني تمييزا لا يتقبل الاشتباه،مثل طرالقرابة المبينة في أسباب الميراث.
6.17.1.2. الوسيلة الثانية: مجرد تحقق مسمى الاسم، كنوط الحد في الخمر بشرب جرعة من الخمر
6.17.1.3. الوسيلة الثالثة: التقدير، كنصب الزكوات في الحبوب والنقدين، وعدد الزوجات ونهاية الطلاق، ونصاب القطع في السرقة عند القائلين بالنصاب، وأقل المهر.
6.17.1.4. الوسيلة الرابعة: التوقيت، مثل مرور الحول في زكاة الأموال، وطلوع الثريا في زكاة الماشية.
6.17.1.5. الوسيلة الخامسة: الصفات المعينة للمواهي المعقود عليها، كتعيين العمل في الإجارة، وكالمهر والولي في ماهية النكاح ليتميز عن السفاح
6.17.1.6. الوسيلة السادسة: الإحاطة والتحديد، كما في منع الاحتطاب من الحرم عدا الإذخر
6.18. (17)- نفوذ الشريعة.
6.18.1. استتب للشريعة أن تسلك لتحصيل ذلك مسلكين سلكتهما جميعا.
6.18.1.1. المسلك الأول مسلك الحزم في إقامة الشريعة.
6.18.1.2. والمسلك الثاني مسلك التيسير والرحمة بقدر لا يفضي إلى انخرام مقاصد الشريعة.
6.18.1.2.1. وقد كان تيسير الشريعة ذا مظاهر ثلاثة:
6.19. (18)- الرخصة: عامة وخاصة
6.19.1. فقد وجدنا من الضرورات ضرورات عامة مطردة كانت سببتشريع عام في أنواع من التشريعات مستثناة من أصول كان شأنها المنع، مثل السلم
6.19.2. وكذلك وجدنا من الضرورات ضرورات خاصة موقتة جاء بها القرآن والسنة كقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} (2). وقد اقتصر الفقهاء عليها في تمثيل الرخصة.
6.19.3. وبين القسمين قسم ثالث مغفول عنه وهو الضرورة العامة الموقتة. وذلك أن يعرض الاضطرار للأمة أو طائفة عظيمة منها، تستدعي إباحة الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي الكراء المؤبد الذي جرت به فتوى علماء الأندلس في أواخر القرن التاسع في أرض الوقف حين زهد الناس في كرائها للزرع لما تحتاجه أرض الزرع من قوة الخدمة ووفرة المصاريف
6.20. (19)- مراتب الوازع جبلية ودينية وسلطانية.
6.20.1. اعتمدت الشريعة ابتداء على الوازع الجبلي في حفظ حدودها فكان كافيا لها عن الإطالة في التشريع للمنافع التي تتطلبها الأنفس بذاتها مثل حفظ الزوجات والأبناء وقل التنبيه على خلاف ذلك مثل وأد البنات
6.20.2. ومعظم الوصايا الشرعية منوط تنفيذها بالوازع الديني لدى المخاطبين
6.20.3. ومتى ضعف الوازع الديني في زمن أو قوم أو حال يصار إلى الوازع السلطاني
6.21. (20)- مدى حرية التصرف عند الشريعة.
6.21.1. جاء لفظ الحرية في كلام العرب مطلقا على معنيين أحدهما ناشئ عن الآخر.
6.21.1.1. المعنى الأول ضد العبودية. وهي أن يكون تصرف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة تصرفا غير متوقف على رضا أحد آخر
6.21.1.1.1. كان الرقيق من أكبر الجماعات التي أقيم عليها النظام العائلي والاقتصادي لدى الأمم حين طرقتهم دعوة الإسلام. فلو جاء بنقض ذلك النظام لانفرط عقد نظام المدنية انفراطا، تعسر معه عودة انتظامه
6.21.1.1.2. فجمع بين مقصديه نشر الحرية وحفظ نظام العالم بأن سلط عوامل الحرية على عوامل العبودية مقاومة لها بتقليلها وعلاجا للباقي منها. وذلك بإبطال أسباب كثيرة من أسباب الاسترقاق، وقصره على سبب الأسر خاصة.
6.21.1.2. المعنى الثاني ناشئ عن الأول بطريقة المجاز في الاستعمال، وهو تمكن الشخص من التصرف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض. ويقابل هذا المعنى الضرب على اليد، أو اعتقال التصرف.
6.21.1.2.1. فحرية الاعتقادات أسسها الإسلام بإبطال المعتقدات الضالة التي أكره دعاة الضلالة أتباعهم ومريديهم على اعتقادها بدون فهم ولا هدى ولا كتاب منير، وبالدعاء إلى إقامة البراهين على العقيدة الحق، ثم بالأمر بحسن مجادلة المخالفين وردهم إلى الحق بالحكمة والموعظة وأحسن الجدل، ثم بنفي الإكراه في الدين
6.21.1.2.2. وأما حرية الأقوال فهي التصريح بالرأي والاعتقاد في منطقة الإذن الشرعي.
6.21.1.2.3. ومنها حرية العلم والتعليم والتأليف. ولقد ظهرت هذه الحرية في أجمل مظهر في القرون الثلاثة الأولى من تاريخ الإسلام، إذ نشر العلماء فتاواهم ومذاهبهم، واحتج كل فريق لرأيه، ولم يكن ذلك موجبا لمناوأة ولا لحزازات.
6.21.2. وكلا هذين المعنيين للحرية جاء مرادا للشريعة إذ كلاهما ناشئ عن الفطرة، وإذ كلاهما يتحقق فيه معنى المساواة التي تقرر أنها من مقاصد الشريعة
6.22. (21)- مقصد الشريعة تجنّبُها التفريع في وقت التشريع.
6.22.1. قد تتبعت تفريع الشريعة في زمن فوجدت معظمه في أحكام العبادات، وذلك لأنها مبنية على مقاصد قارة؛ ولذلك كان دخول القياس في العبادات قليلا نادرا
6.22.2. ولذلك نجد أحكام المعاملات في القرآن مسوقة غالبا بصفة كلية،وتفاريع الشريعة في المعاملات على مقصدين:
6.22.2.1. تارة يكون المقصد حمل الناس على حكم مستمر مثل تحريم الربا.
6.22.2.2. وتارة يكون قضاء بين الناس فيكون الفرع المقضي به بيانا لتشريع كلي
6.23. (22)- مقصد الشريعة من نظام الأمة أن تكون قريبة مرهوبة الجانب مطمئنة البال.
6.23.1. استشعر الفقهاء في الدين كلهم هذا المعنى في خصوص صلاح الأفراد. ولم يتطرقوا إلى بيانه وإثباته في صلاح المجموع العام
6.23.1.1. وإن من أعظم ما لا ينبغي أن ينسى عند النظر في الأحوال العامة الإسلامية نحو التشريع هو باب الرخصة. فإن الفقهاء إنما فرضوا الرخص ومثلوها في خصوص أحوال الأفراد. ولم يعرجوا على أن مجموع الأمة قد تعتريه مشاق اجتماعية تجعله بحاجة إلى الرخصة كما قدمناه في فصل الرخصة (5). وليس القول في سد الذرائع ورعي المصالح المرسلة بأقل أهمية من القول في الرخصة
6.24. (23)- واجب الاجتهاد.
6.24.1. الاجتهاد فرض كفاية على الأمة بمقدار حاجة أقطارها وأحوالها. وقد أثمت الأمة بالتفريط فيه مع الاستطاعة ومكنة الأسباب والآلات
6.24.1.1. * يعد آثما في ذلك العلماء المتمكنون من الانقطاع إلى خدمة التفقه الشرعي للعمل في خاصة أنفسهم. ويعد آثما العامة في سكوتهم عن المطالبة بذلك، بل وفي إعراضهم عمن يدعوهم إليه إذا شهد له أهل العلم، ويعد آثما الأمراء والخلفاء في إضاعة الاهتمام يحمل أهل الكفاءة
6.24.1.1.1. وإن أقل ما يجب على العلماء في هذا العصر أن يبتدئوا به من هذا الغرض العلمي هو أن يسعوا إلى جمع مجمع علمي يحضره من أكبر العلماء بالعلوم الشرعية في كل قطر إسلامي على اختلاف مذاهب المسلمين في الأقطار، ويبسطوا بينهم حاجات الأمة ويصدروا فيها عن وفاق فيما يتعين عمل الأمة عليه، ويعلموا أقطار الإسلام بمقرراتهم؛ فلا أحسب أحدا ينصرف عن اتباعهم